الثالث : مذهب الجبائيين ، فانّهما زعما أنّ الله تعالى يحدث الفناء في محلّ فتنفى الجواهر بأسرها حال حدوث ذلك الفناء. ثمّ هذا القسم يحتمل وجهين :
الوجه الأوّل : أن يكون الفناء الواحد كافيا في عدم الجواهر ، وهو مذهب أبي هاشم وعبد الجبار بن أحمد. (١)
الوجه الثاني : أن لا يكون الفناء الواحد كافيا في عدم الجواهر بل لكلّ فان فناء يختص به ، وهو مذهب أبي علي. (٢)
وأمّا الثالث : وهو أن يكون فناء الجواهر لانقطاع شرط وجودها ، فذلك الشرط إمّا أن يكون قائما بذاته أو لا يكون. والثاني مذهب بشر فانّه زعم أنّ الجوهر تبقى ببقاء موجود لا في محلّ ، فإذا عدم ذلك البقاء وجب عدم الجوهر. والأوّل مذهب من يقول : الجوهر إنّما ينتفي لانتفاء الأعراض ، وذلك على قسمين فإنّه إمّا أن يقال : الجوهر ينتفي لانتفاء كلّ الأعراض أو لانتفاء بعضها على التعين ، والأوّل مذهب من أوجب اتصاف الجوهر بنوع من كلّ جنس من أجناس الأعراض إذا كان قابلا له ، وهو قول الجويني.
وأمّا الثاني ففيه مذهبان :
المذهب الأوّل : قول من يقول الجوهر انّما يبقى ببقاء قام به وذلك البقاء غير باق بل يخلقه الله تعالى حالا بعد حال فإذا لم يخلق الله تعالى البقاء وجب انتفاء الجواهر ، وهذا مذهب أكثر الأشعرية وقول أبي القاسم البلخي. (٣)
__________________
(١) المغني ١١ : ٤٤٤ (فصل : في أنّ الضد الواحد من ضدّ الجوهر يجب أن ينفي الجواهر أجمع).
(٢) وقد اختلف فيه كلام أبي علي فربّما قال : إنّ الذي به ينتفي بعض الأجسام هو الذي ينتفي به سائرها ، وربما قال بخلاف ذلك فلا يجعل فناء البعض فناء الجميع. وهذا القول هو الذي ربّما تشدّد في التمسك به كثير من أصحاب أبي علي. والقول الأوّل هو الذي يختاره أبو هاشم وأصحابه. راجع المجموع في المحيط بالتكليف ٢ : ٢٩٧.
(٣) وإلى هذا القول ذهب ضرار بن عمرو. البغدادي ، أصول الدين : ٢٣٠.