يجدد في الجسم أمثال تلك الأعراض بخلاف الجسم ، فانّ كلّ واحد منّا مع كونه جسما يعلم من نفسه أنّه هو الذي كان بالأمس فكان كون الجسم معلوما بخلاف الاعراض.
سلّمنا بقاءها ، فلم قلتم : إنّ انتفاءها إنّما كان بضدّ ولم يكن بفوات شرط؟ فإنّ من الأعراض ما يحتاج في بقائه إلى شرط ، كالعلم المحتاج إلى الحياة والحياة المحتاجة إلى البنية المعتدلة.
والوجه الذي ذكرتم في إبطال كون وجود الجسم مشروطا ، لم قلتم بوروده هنا؟ فانّكم قلتم في ذلك الوجه : أنّ ذلك الشيء الذي يكون شرطا في وجود الجسم إمّا أن يكون حالا في الجسم أو لا ، فإن كان حالا في الجوهر كان محتاجا إلى الجوهر فيستحيل احتياج الجوهر إليه ، وإلّا دار. وإن لم يكن حالا كان شيئا قائما بنفسه ، والجوهر أيضا كذلك فلم تكن حاجة أحدهما إلى الآخر أولى من العكس فإمّا أن يحتاج كلّ منهما إلى الآخر وهو محال أو يستغني كلّ منهما عن الآخر فلا يلزم من عدم واحد منهما عدم الآخر ، وهذا إنّما يمكن وروده في الأجسام دون الأعراض.
سلّمنا أنّ عدمها ليس بعدم الشرط ، فلم لا يعدم باعدام معدم؟ بأن يعدمها الله تعالى ابتداء كما أوجدها ابتداء ، ولهذا كان حدّ القادر هو الذي يصحّ منه أن يفعل وأن لا يفعل فكان لا يفعل داخلا في حدّ القادر كالفعل ، ولهذا قلتم : إنّ الصحيح ما ذهب إليه أبو هاشم من أنّ الذم والمدح بترك الواجب وبترك القبيح يرجع إلى نفي الفعل دون ما ذهب إليه أبو علي من أنّ ترك الفعل يرجع إلى فعل ضدّ دون نفي الفعل (١) ، ولهذا جعلتم مثل هذا الاعدام تأثير الضدّ ، فإذا جاز
__________________
(١) اختلف المتكلمون في الترك للشيء ، هل هو فعل وكف أم لا؟ فانظر الآراء والمسائل المرتبطة بالترك في مقالات الإسلاميين : ٣٧٨ وما يليها.