فإن قيل : الكلام على ما ذكرتموه من وجوه ثلاثة :
الوجه الأوّل (١) : ما يتعلق بالقدح في نظم الدليل ، وهو أنّه (٢) مركب من مقدمتين والثانية منهما ليست إلّا إعادة الدعوى مع احتمال ضمّ دعاوي أخر إليها ، فلا يكون في ذكرها فائدة ، فتبقى المقدمة الأولى وحدها ، ومعلوم أنّها وحدها لا تنتج.
وإنّما قلنا : إنّ المقدمة الثانية ليست إلّا إعادة الدعوى مع احتمال ضم دعاوى أخر إليها ؛ لأنّ قولكم : وما لا يخلو عن الحوادث حادث ، معناه : أنّ كلّ واحد واحد ممّا يوصف بأنّه لا يخلو عن الحوادث فهو حادث ومن جملة ما يوصف بانّه لا يخلو عن الحوادث الجسم ، فقولكم : وما لا يخلو عن الحوادث حادث معناه : أنّ الجسم الذي لا يخلو عن الحوادث حادث ، وغيره لو كان أيضا فهو حادث. فظهر أنّه ليس في ذكر هذه المقدمة إلّا إعادة الدعوى مع احتمال ضمّ دعاوى أخر إليها. والشيء لا يصلح أن يكون دليلا على نفسه لوجوب معرفة الدليل قبل المدلول ، وامتناع كون الشيء معلوما قبل نفسه.
سلمنا (٣) ، لكن المنتج ليس إحدى المقدمتين بالضرورة ؛ ولأنّه لو كان لكان ذكر الأخرى حشوا. ولا المجموع ؛ لأنّ كونهما منتجتين إنّما يصحّ لو وجدتا معا ، وهو محال ، لامتناع حصول العلم بمعلومين في الذهن دفعة واحدة. والعلم بهذا الامتناع ضروري ؛ لأنّا متى وجّهنا ذهننا نحو العلم بشيء تعذر علينا توجيهه نحو العلم بمعلوم آخر.
__________________
(١) راجع المطالب العالية : ٣١٠.
(٢) أي الدليل.
(٣) أنّ المقدمة الثانية ليست إعادة الدعوى.