وقال أبو علي : قد يجوز في الموجود في جهة واحدة أن يشتمل على المتماثل والمتضاد، لما اعتبر في ذلك بكونها حركة أو سكونا فأثبت التضاد بينهما على كلّ حال. وهو مذهب أبي القاسم الكعبي ، لكنّه اختص بإيجاب الخلاف بالقبح والحسن فجعل القبيح من الحركات مخالفا للحسن. وهو خطأ ، لأنّ الحسن والقبح قد يشتمل عليهما النوع الواحد ، والتماثل والاختلاف يثبتان لما عليه الشيء في ذاته.
وقال أبو يعقوب : لا تضاد في الأكوان أصلا ، بل تختلف وتتماثل من غير تضاد.
وعند جماعة من الأشاعرة كالقاضي أبي بكر وغيره من القائلين بأنّ المماسة ليست كونا قائما بالجوهر : أنّ الأكوان كلّها متضادة ، لأنّها إن اقتضت الحصول في حيز واحد كانا مثلين فكانا متضادين ، وإن اقتضت الحصول لا في حيز واحد فلا شكّ في تضادها (١) ، وقد تتعاقب وقد تمتنع ، وهو بعينه كلام المعتزلة ، لكن الفرق بينهما إمكان اجتماع الأمثال ، فالمعتزلة جوزوه والأشاعرة منعوه فلهذا حكموا بأنّ المثلين ضدّان ، لأنّ الضدّين عندهم هما اللّذان يمتنع اجتماعهما.
وإن قيل : المختلفان اللّذان لا يمكن اجتماعهما ، خرج المثلان. وإن زيد فيه : ويصحّ تعاقبهما على محل واحد ، لم تكن جميع المختلفات من الأكوان متضادة.
والمشهور عند المتكلّمين الأخير والحكماء زادوا قيدا آخر وهو أن يكون
__________________
(١) إنّ الكونين إن أوجبا تخصيص الجوهر بحيز واحد فهما متماثلان ، فلا يجتمعان كالحصول الأوّل والثاني في حيز واحد ، لأنّ كلا منهما يسدّ مسدّ الآخر في تخصيص الجوهر بذلك الحيز. وإن أوجب كلّ منهما تخصيصه بحيز آخر فمتضادان ضرورة امتناع اجتماع حصول الجوهرين في آن واحد في حيزين. راجع شرح المقاصد ٢ : ٤٠٢.