الجوهر بالبصرة بدلا منه ببغداد (١) وهما كونان ضدان ، والتعاقب بينهما لا يصحّ لامتناع الطفرة. وإنّما استحال منا لامتناع أن يصدر منّا الكون في الأوّل منه في العاشر. (٢)
الرابع : قالوا : إذا صحّ لنا تضاد الحركتين في جهتين بطل قول الفلاسفة : إنّ الجسم يتحرك دفعة واحدة حركتين متضادتين إحداهما بالذات والأخرى بالعرض (٣) ، لأنّه يقتضي حصوله على حالتين متضادتين ، كفلك البروج المتحرك بذاته على التوالي وكحركة المحيط على خلاف التوالي ، وكذا الكواكب السيارة ، وكالمتحرك في السفينة على خلاف حركتها ، والنملة المتحركة على الرحى على خلاف جهتها.
وأجابوا بأنّ المتحرك في السفينة إنّما يتحرك حال وقوفها فإذا تحركت وقف. وكذا النملة تتحرك حال سكون الرحى ويسكن حال حركتها. والأصل فيه أنّ السكنات تتخلل الحركات.
الخامس : ومنعوا من وصف الحركة بالسرعة والبطء (٤) إلّا باعتبار تخلل
__________________
(١) فإنّ أحد الكونين لو كان قد أوجده الله في الجسم حال حدوثه وهو في المكان الأوّل ، لكان يصحّ بدلا منه أن يوجده وهو في المكان العاشر ، فقد تأتّى فيه ضرب من التقدير. ولو لا امتناع الطفر على الجواهر لكان يصحّ في حال البقاء منه مثل ما صحّ في حال الحدوث. ولو لا اختصاص مقدوراتنا بأوقات لتأتّى منّا مثل ما تأتّى منه جلّ وعزّ. المحيط بالتكليف : ١٤٨. راجع أيضا ص ٦٠ ؛ أوائل المقالات : ١٣١.
(٢) وقال النيسابوري : «إنّ الكون الذي يفعله الواحد منّا في الجسم فانّه يستحيل أن يوجد في المكان الثاني منه الكون المختص بالوقت العاشر.» التوحيد : ١٣٤.
(٣) راجع الفصل السادس من المقالة الرابعة من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء.
(٤) راجع أوائل المقالات : ١٣٠ (القول في الحركات هل يكون بعضها أخفّ من بعض؟). وذهب إلى استحالته ، وجوزه في المتحرك وقال : «إنّما يصحّ القول في المتحرك بأنّه أخفّ من متحرك غيره وأسرع ، ولا يستحيل ذلك في الأجسام. وهذا أيضا مذهب أبي القاسم وأكثر أهل النظر ، وقد خالف فيه فريق من الدهريّة وغيرهم». وانظر بحث السرعة والبطء في شرح الإشارات ٢ : ٢١٦ وما يليها.