الوجه الثاني : لا يجوز مع تكامل شروط التوليد في الكون أن لا يقع مسببه ، لأنّ وجود عارض فيه لا يصحّ من حيث إنّ ما يولده الكون لا ضدّ له من تأليف وألم ، فإذا لم يوجد مسبب الكون فلفقد بعض الشروط بخلاف الاعتماد ، لأنّه إذا ولد الكون فله ضد يصحّ حصوله فيمنع الاعتماد من التوليد ولا يحصل مسببه مع تكامل الشروط وإن صحّ أن يجعل وجود هذا الضدّ ممّا لا تكمل معه الشروط ، بل الشرط يحصل بانتفائه ، وإذا وجدت أكوان كثيرة في المحلّ وانتفت الصحّة اشتركت في توليد الألم ، إذ ليس بعضها بالتوليد أحقّ من الآخر ، خلافا لأبي هاشم حيث قال : إنّه متى انتفت صحّة واحدة ولد بعضها دون بعض ، وإنّما تجتمع علّة التوليد إذا انتفت الصحّة عن محالّ كثيرة. وهو غلط ، لفقد الاختصاص ، والشرط حاصل في الكل ، فلا وجه للتخصيص.
الوجه الثالث : لا يولّد الكون شيئا من الأجناس سوى الألم والتأليف. أمّا المعاني التي يمكن مفارقة الكون لها على كلّ وجه فلا شبهة في أنّه لا يجري بينهما توليد. وإنّما اشتبه الحال فيما لا يوجد عاريا عنه كالجوهر ، وتوليده عنه غير صحيح ؛ لأنّا نقدر على الكون فلو ولده لقدرنا عليه ، لأنّ القادر على السبب قادر على المسبب.
وأيضا نازع أبو علي هنا فجوّز توليد الحركة للحركة ، وتوليد الحركة للصوت ، وأجاز في الحركة توليدها للسكون في محلّه ، ومنع في السكون أن يولد السكون. وأجاز أبو القاسم الكعبي ذلك كما أجاز في الحركة توليدها لأخرى. والمشهور أنّ الذي يولد جميع ذلك هو الاعتماد ؛ لأنّ الحركة (١) لو ولدت الحركة لم تكن بأن تولد الحركة يمنه أولى من يسرة لتساوي حالها مع الجهتين. ولهذا يفارق الاعتماد ، لأنّه يختص بجهة يتولد منها والحركة لا جهة لها وإلّا كانت مثلا
__________________
(١) ذكر النيسابوري خمسة وجوه لإبطال توليد الحركة حركة أخرى ، راجع التوحيد : ١٤٢ ـ ١٤٣.