لأنّا نقول : امتناع وجود شرطه إن كان امتناعا ذاتيا وجب امتناع زواله ، ويلزم منه استمرار امتناع العالم فيما لا يزال. وإن لم يكن ذاتيا كان لامتناع شيء آخر ، ولزم منه التسلسل. وهكذا الكلام في وجوب المانع ، فانّه إن كان واجبا لذاته ، امتنع زواله فامتنع زوال امتناع العالم فاستحال وجود العالم ، وإن كان واجبا لغيره لزم منه التسلسل ، وهو محال.
الوجه الثالث (١) : أن نتكلم على مقدمات الدليل ، فنقول : لا نسلّم أنّ الجسم لا يخلو عن الحوادث.
قوله : «لا يخلو عن الأكوان».
قلنا : هذا مبني على أنّ الكون زائد على ذات الجسم ، وهو ممنوع. ودعوى الضرورة باطلة ؛ لأنّ ادعاء الضرورة فيه فرع على تصور حصول الجسم في الحيّز ، وهو غير معقول ؛ لأنّ الحيّز الذي يقال الجسم حصل فيه ، إن كان معدوما لم يعقل حصول الجسم فيه. وبهذا سقط قول من قال : إنّه مقدر مفروض ، لأنّ المفروض الذي لا وجود له في نفسه لا يعقل حصول الجسم فيه. وإن كان موجودا ، فإن كان متحيزا لزم التداخل ، ويعود المتحيز في متحيز آخر ، وهو محال. ولأنّ الجزء الواحد إذا وجد لزم أن لا يكون حاصلا في الحيز ، وإن لم يكن متحيزا ، فإن كان عرضا ، فإن كان حالا في المتمكن دار ، وإن لم يكن حالّا فيه تسلسل ، وإن كان مجردا استحال حلول المتحيز فيه.
وبالجملة فلا بدّ من تفسير الحيّز (٢) وتفسير الحصول في الحيّز ، حتى يمكن ادعاء أنّه هل هو حاصل أم لا؟ فانّ كلّ ما نعقله (٣) من هذه الأقسام التي
__________________
(١) راجع المطالب العالية ٤ : ٣٠٩.
(٢) راجع المطالب العالية ٤ : ٢٤٦.
(٣) نهاية العقول : «نفعله».