لا يقال : الطبيعة توجب الحركة بشرط زوال الحال الملائم ، فإذا كان الجسم خارجا عن المكان الملائم للطبيعة اقتضت الطبيعة الحركة إليه بشرط الحال الغير الملائم ، فإذا وصل إليه وقف لفقد الشرط وحصول الحال الملائم.
لأنّا نقول : إذا جاز ذلك في الطبيعة فليجز في الجسم ، ولم يبق لهم في العذر عن النقض بالطبيعة في هذه الوجوه الثلاثة ، إلّا بأن يقال : لو كان الجسم مقتضيا للحركة لوجب في كلّ جسم ذلك وهذا هو الوجه الرابع ، فيبقى ذكر الوجوه الثلاثة ضائعا لا فائدة فيها.
وعلى الرابع : بمنع تماثل الأجسام ، فانّ كلّ جسم عندكم له مقدار هو كونه طويلا عريضا عميقا ، وله صورة جسمية هو امتداده القابل لهذه الأبعاد الثلاثة ، وله هيولى قابلة للصورة.
أمّا الأبعاد الثلاثة فلا شكّ في تشاركها بين الأجسام كلّها ، لكن ذلك هو المقدار وهو عارض ولا يلزم من الاشتراك في العارض الاشتراك في الحقيقة.
وأمّا الصورة الجسمية فلا بدّ من إقامة البرهان على أنّها أمر واحد في الأجسام كلّها ، لأنّ الصورة الجسمية لا يمكن أن تكون عبارة عن نفس القابلية لهذه الأبعاد الثلاثة ، لأنّ القابلية أمر نسبي والصورة من مقولة الجوهر فكيف يكون الجوهر عبارة عن أمر نسبي لا يعقل إلّا بين شيئين؟ فالصورة إذن ماهية جوهرية تلزمها هذه القابلية ، وتلك الماهية غير محسوسة ولا متصورة تصورا أوّليا حتى تعرف أنّها في جميع المواضع بمعنى واحد ، لأنّ المحسوس والمتصور إنّما هو هذه الأبعاد الثلاثة وليست نفس الصورة الجسمية ، بل اعراض ومقادير لا حيّز (١) لها. وإذا كانت الجسمية عبارة عن أمر تلزمه هذه الاعراض لم يعرف كونه واحدا في جميع ما يكون حاصلا فيه أوّلا ، فإنّ الاشتراك في اللوازم لا يوجب الاشتراك في الملزومات ،
__________________
(١) في المباحث : «لا حقة».