أو يقال : إنّها لازمة للجسمية إمّا بغير واسطة أو بواسطة ما يلزمها لا بواسطة ، مع أنّ تلك الأمور غير مشترك فيها فكذلك المتحركية (١) يجوز أن تكون كذلك.
وأمّا إن قيل : تلك الملازمة ليست للجسمية ولا لما يلزم الجسمية ، بل لما تحلّ الجسمية فيه وهو المادة ، فانّ تلك المادة لما كانت مخالفة لسائر المواد وكانت مقتضية للجسمية ولتلك الأشكال والأوضاع لزم من ذلك حصول الملازمة بين تلك الجسمية وبين تلك الأمور.
وعلى هذا نقول : فلم لا يجوز أن تكون لبعض الأجسام مادّة مخصوصة مخالفة لسائر المواد تقتضي لذاتها حركة مخصوصة ، ولا يلزم اشتراك الأجسام في تلك الحركة؟
أمّا العناصر فلما كانت موادها مشتركة وكذا جسميتها واختلفت حركاتها وجب اسنادها إلى قوى مختلفة.
وأمّا الأفلاك فموادها مختلفة ومخالفة لمادة العناصر ، وإلّا لصحّ عليها الكون والفساد والخرق والالتئام وهم قد منعوا منه ، فجاز اسناد حركاتها إلى موادها.
ومن جملة قواعد الحكماء التي اتّفقوا عليها : أنّ القوى المادية غير مؤثرة بل معدّة ؛ فالجسم لمّا كان بأصل جسميته قابلا لكلّ الأضداد فإذا اتصف ببعضها فلا بدّ فيه من قوّة مخصوصة توجد فيه وتجعله أولى لقبول ذلك الضدّ من غيره من الأضداد الممكنة الثبوت له ، وإلّا لم يكن حصول ذلك الضدّ له أولى من غيره من الأضداد ، فإذا تخصص الاستعداد لأجل تلك القوى أفاض واهب الصور عليه ما استعد له. فإذن الحاجة إلى القوى الجسمانية التي هي مبادئ الحركات إنّما تثبت حيث تتساوى نسبة المادة إلى جميع المتضادات وتكون قابلة للجميع لتخصّص
__________________
(١) في المباحث : «المحركية».