المبدأ والمنتهى منتهى لذي المنتهى وبالعكس. وأمّا قياس كلّ واحد منهما إلى الآخر فليس قياس التضايف ، فانّه ليس من عقل مبدأ عقل منتهى ولا بالعكس ، إذ من الجائز فرض حركة ليس لها بداية ولا نهاية أو ليس لها أحدهما ، كما نتصوره في حركات أهل الجنة (١). والمتضايفان (٢) لا يوجدان بأحد الوجودين إلّا معا ، فإذن ليس التقابل بينهما تقابل التضايف ، للانفكاك المذكور. ولا تقابل السلب والإيجاب ، لأنّهما معا وجوديان. ولا تقابل العدم والملكة ، لذلك ؛ ولأنّه ليس أحدهما بأن يكون عدما للآخر أو سلبا له أولى من العكس. فلم يبق بينهما إلّا تقابل الضدية.
فالمبدئية والمنتهائية ضدّان لأجل أنّهما مبدأ ومنتهى حركة بصفة لا يكون مبدؤها هو بعينه منتهاها ، وذلك إنّما يكون حيث يكونان لحركة مستقيمة.
لا يقال : كيف يكون المبدأ ضدّ المنتهى وهما يجتمعان في جسم واحد والأضداد لا تجتمع في الجسم الواحد؟
لأنّا نقول : الأضداد قد تجتمع في الجسم الواحد إذا لم يكن الجسم موضوعا
__________________
(١) وأمّا تصوّره في هذه الدنيا فقد وقع فيه نزاع بين المتكلّمين وذكره الأشعري هكذا : «واختلف المتكلّمون في الجسم يكون ملازما لمكان ومكانه سائر متحرك هل الجسم الملازم لذلك المكان متحرك أم لا؟ على مقالتين : فزعم كثير من المتكلّمين منهم الجبائي وغيره أنّ الجسم إذا كان مكانه متحركا فهو متحرك وهذه حركة لا عن شيء ، وجوزوا أن يتحرك المتحرك لا عن شيء ولا إلى شيء وأن يحرّك الله سبحانه العالم لا في شيء.
وقد كان أبو الهذيل يقول : يجوز أن يتحرك الجسم لا عن شيء ولا إلى شيء.
وقال قائلون : إذا تحرك مكان الشيء والشيء لازم لمكان واحد فهو ساكن غير متحرك ، وأحال هؤلاء أن يتحرك المتحرك لا عن شيء ولا إلى شيء.
وكان النظام ممن يحيل أن يتحرك المتحرك لا في شيء ولا إلى شيء.» راجع مقالات الإسلاميين : ٣٢٢ ـ ٣٢٣.
(٢) في النسخ : «المضافان».