السواد باقية وحدث فيه شيء آخر فلا يكون في ذات السواد تبدل بل في صفاته. لكنّا لا نعني بالسواد إلّا هذه الهيئة المحسوسة لنا فإن وقع التبدل فيها فذات السواد غير باقية ، وإن لم يقع التبدل فيها فالتبدل إن كان فهو شيء آخر لا يسمى سوادا إلّا باشتراك الاسم.
فظهر من هذا أنّ اشتداد السواد يخرجه عن نوعه وتكون للموضوع في كلّ آن كيفية واحدة بسيطة ، لكن الناس يسمون كلّ الحدود المقاربة من السواد سوادا وجميع الحدود المقاربة من البياض بياضا. والسواد المطلق واحد في الحقيقة وهو الطرف والغاية التي لا زيادة عليها ، وكذا البياض ، والمتوسط كالممتزج ، لكن يعرض لما يقرب من أحد الطرفين أن ينسب (١) إليه والحس لا يميز فيظن أنّهما نوع واحد.
قيل (٢) : الحركة المقدارية ، إمّا أن يكون هناك مقدار واحد باق في جميع زمان حركة التخلخل أو لا ، فإن كان فالزيادة إن داخلته كان قولا بالتداخل ، وبتقدير جوازه لا يزيد المقدار وكلامنا فيه. وإن لم تداخله بل انضمت الزيادة إليه من الخارج فيكون في الحقيقة كاتصال خطّ بخطّ ولم يكن ذلك من باب التخلخل. وإن كان المقدار الأوّل لا يبقى عند الزيادة فهناك مقادير متتالية على الجسم ويجب أن لا يبقى الواحد منها زمانا وإلّا صار ساكنا عند حركته (٣) التخلخلية وكلامنا فيه عند الاستمرار ، فهناك مقادير متتالية آنية (٤) الوجود بغير نهاية. وأمّا أنّها هل هي متخالفة بالنوع كالكيفيات المتتالية التي تخالفت بالنوع عند تتاليها؟
__________________
(١) في النسخ : «نسب» ، وما أثبتناه من الشفاء.
(٢) أنظر القول في المباحث ١ : ٦٨٤.
(٣) في النسخ : «حركة» ، وما أثبتناه من المباحث.
(٤) في النسخ : «آنية آنية» ، حذفنا أحدهما طبقا للمعنى والمباحث.