الكم قارّ ومنه سيّال هو النمو والذبول والتخلخل والتكاثف. (١) وبالجملة فالسيال من كلّ جنس هو الحركة.
ثمّ اختلفوا فذهب بعضهم إلى أنّ المخالفة بالسيلان والثبات مخالفة نوعية ، لأنّ السيالية جزء ماهية السيال ، فيكون في ماهيته مخالفا لما ليس بسيال. ومنهم من جعل المخالفة عرضية ، كزيادة خطّ على خط. والقولان ضعيفان والحجّتان ساقطتان.
أمّا الأولى : فلأنّ البياض داخل في حقيقة الأبيض مع أنّ امتيازه عن الأسود قد يكون بعرض غريب لا بفصل مقوم ، فليس كلّ زيادة مميزة تكون منوعة.
وأمّا الثانية : فلأنّ كلّ واحد من مراتب الأعداد مخالفة بالنوع للمرتبة الأخرى مع أنّ ذلك ليس إلّا لزيادة الآحاد ونقصانها ، فكذا هنا لا يلزم من انضياف حقيقة السيلان إلى طبيعة الكيف أن لا يكون السيال مخالفا لغير السيال.
وبالجملة فالحجّة الأولى منقوضة بالفصول ، والثانية بالخواص. ومذهبهم باطل من الأصل ، لأنّا لا نعني بالحركة إلّا تغير الموضوع في صفاته تغيرا على التدريج ومعلوم أنّ هذا البدل ليس من جنس ما وقع فيه التبدل ، فانّ التبدل حالة نسبية وأمر إضافي والمتبدل ليس كذلك. ولأنّ التبدل لو كان من جنس المتبدل وهو لا يحصل إلّا عند المتبدل فهما إن كانا مثلين لزم اجتماع المثلين وإن كانا مختلفين كانا متضادين مع أنّهما يجتمعان فيلزم اجتماع الضدّين ، هذا خلف.
فتعين الاحتمال الرابع : وهو أن يكون معنى الحركة في المقولة تغير الموضوع
__________________
(١) وربما تمادى بعضهم في مذهبه حتى قال : والجوهر منه قار ومنه سيال هو الحركة في الجوهر أي الكون والفساد. الفصل الثاني من المقالة الثانية من الفن الأوّل من طبيعيات الشفاء ١ : ٩٣.