النوع الأوّل : التخلخل والتكاثف الحقيقيان.
وقد عرفتهما فيما سبق. (١) ولا شكّ في أنّ الأجسام تقبلهما فيصير الجسم أصغر ممّا كان ، من غير فصل جزء منه ويصير أكبر ممّا كان ، من غير انضياف جزء إليه. (٢) واستدلوا عليه بأمور : (٣)
الأمر الأوّل : الجسم مركب من المادة والصورة ، وليس للمادة حجم في ذاتها ولا مقدار مختص بها ، وإذا لم تكن مستحقة لمقدار معين كانت نسبة المقادير إليها واحدة ، وإلّا كان لها في خاص ذاتها مقدار معيّن حتى يكون قابلا لما يساويه وغير قابل لما يفضل عليه ، ولمّا لم تكن الهيولى كذلك كانت قابلة لجميع المقادير ، فأمكن أن تخلع المادة مقدارا وتتصف بأزيد منه أو بأنقص فأمكنت الحركة الكمية فيه.
الأمر الثاني : الجسم سواء قلنا : إنّه مركّب من المادة والصورة أو لا ، فانّ له مقدارا زائدا على حقيقته فيكون من حيث هو هو عديم المقدار فكانت نسبته إلى جميع المقادير واحدة. ولأنّ نصف الجسم البسيط وكلّه متساويان في الحقيقة متفقان في الطبع ومختلفان بالمقدار فمقدار النصف نصف مقدار الكل. والمتساويان في الطبيعة متساويان في قبول العوارض ، والمقدار من جملة العوارض ، فأمكن أن يتصف كلّ من النصف والكلّ بمقدار صاحبه من غير زيادة شيء إليه حتى يصير الجزء على مقدار الكل ولا نقصان شيء منه حتى يصير الكلّ على مقدار الجزء ، فأمكن التخلخل والتكاثف الحقيقيان.
__________________
(١) في المجلد الأوّل ، ص ٤٩٩ (الباب الثالث في اللطافة والكثافة).
(٢) كالطعام في البطن ينتفخ ويتبخر فيعظم مقداره فيكبر البطن بسببه منتفخا. مقاصد الفلاسفة : ٣٠٨.
(٣) راجع حكمة العين : ٤٣٢ (المبحث الرابع : في ما فيه الحركة) ؛ كشف المراد : ٢٦٦ ؛ إيضاح المقاصد : ٢٨١ ؛ شرح المواقف ٦ : ٢٠٥ ؛ شرح المقاصد ٢ : ٤١٧.