أوّل بهذه الصفة ، فانّه لا توجد فيها حركة مفردة بنفسها على الوصف المذكور ، ولا أيضا هناك جزء على الوجه المذكور ، لأنّ كلّ جزء يفرض فهو منقسم إلى أجزاء ويكون السابق منها أولى بالأوّلية ولمّا كان كلّ ما جعل أوّلا فهناك ما هو أولى بالأوّلية ، فليس في الحركات المتصلة شيء أوّل البتة.
وقيل : الجزء من الحركة الذي لا يمكن أن يدخل في الوجود أصغر منه هو أوّل الحركة ، فانّ ذلك الجزء متميز عمّا عداه بالفرض أو بالفعل ولعلّه يكون بالفعل أبدا ، لأنّ اختصاص ذلك القدر بهذه الخاصية يقتضي الامتياز بالفعل.
المسألة الثالثة : في أنّ ما لا ينقسم هل تصحّ عليه الحركة؟ (١)
اختلف الناس فيه ، فالأوائل على المنع (٢) لوجهين :
الوجه الأوّل : ما لا ينقسم لا تكون له أطراف ولا حدود فلا يكون جانب منه يلي المقصد وجانب آخر يلي المهرب وإذا كان كذلك لم يكن له اختلاف أوضاع ، فلم تصحّ الحركة عليه.
الوجه الثاني : كلّ متحرك فإنّه يتحرك أوّلا مثل نفسه وبعد ذلك مثله إلى أن تفنى المسافة ، فلو كان ما لا يتجزأ يتحرك لزم تركب المسافة من نقط متتالية ، وهو محال.
__________________
(١) راجع السادس من ثالثة الأوّل من الشفاء (السماع الطبيعي) : ٢٠٦ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٣١.
(٢) قال الشيخ : «فالموجود في كتب المشائين أنّ ذلك محال.» وذكر الأشعري آراء المتكلمين في هذه المسألة هكذا : «قال قائلون : لا يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم ما يجوز على الأجسام ولا يجوز أن يتحرك الجوهر الواحد ولا أن يسكن ... وهذا قول هشام وعباد ... وقال قائلون : يجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم إذا انفرد ما يجوز على الأجسام من الحركة والسكون ... والقائل بهذا القول أبو الهذيل ... ومحمد بن عبد الوهاب الجبائي ...» مقالات الإسلاميين : ٣١١ وما يليها.