فلم لا يجوز أن يكون حصول ذلك المحل في تلك الجهة تبعا لحصول الجسمية فيها؟ وهذا لا ينافي كون الجسمية صفة له ، فانّ الله تعالى موصوف بالصفات أو الأحكام أو الأحوال أو السلوب أو الإضافات ، على اختلاف مذاهب العقلاء فيه ، مع امتناع حصول ذاته تعالى في الحيز. فعلمنا أنّ كون الشيء صفة لغيره أمر مغاير لحلوله في جهة المحلّ تبعا لحصوله (١) فيه ويكون تبعا لحصولها فيه (٢).
سلمنا دلالة ما ذكرتموه على (٣) [نفي] محلّ الجسمية ، لكنّه معارض بما ذكرناه من (٤) أنّ للجسم هيولى.
ثمّ إن سلّمنا أنّه لا يجوز أن يكون لشيء من معروضات الجسم ، فلم لا يجوز أن يكون لشيء مباين عن الجسمية مجرد؟
قولكم : «نسبته إلى جميع الأجسام واحدة ، فلم يكن بأن يجب لأجله حصول بعض الأجسام في ذلك الحيز أولى من سائر الأجسام».
قلنا : يبطل بأمرين :
الأوّل : الباري تعالى خصص خلق العالم بوقت معيّن مع مساواته لسائر الأوقات ، فإذا جاز ذلك فلم لا يجوز منّا مثله؟
الثاني : صحّة حدوث العالم وصحّة محدثية الباري تعالى حدثتا في وقت معين مع كونه مساويا لسائر الأوقات المقدّرة التي قبله وبعده ، إذ لو لم تكن لهاتين الصحتين بداية لم يصح قطعكم بوجوب حدوث العالم ، وإذا جاز ذلك هناك فليجز هنا.
__________________
(١) نهاية العقول : «لحصولها».
(٢) «ويكون تبعا لحصولها فيه» ساقطة في نهاية العقول.
(٣) في النسخ : + «يدل» قبل «على» ، وهو زيادة من الناسخ. وما بين المعقوفين من نهاية العقول.
(٤) في النسخ : «في» ، أصلحناها طبقا للسياق.