سلّمنا صحّة خروج كلّ جسم عن حيزه ، فلم قلتم : إنّه بتقدير الخروج عن الحيز لا بدّ وأن تعدم تلك الكائنية ، فجاز أن تكون كامنة أو انتقلت إلى محل آخر أو لا إلى محل. ومع هذه الاحتمالات لا يمكن الجزم بالعدم (١).
سلّمنا أنّ كلّ كائنية فانّه يصحّ عليها العدم ، فلم قلتم إنّ ما يصحّ [عليه] (٢) العدم يجب أن يكون حادثا (٣)؟
قوله : «لأنّ القديم إمّا واجب لذاته أو مستند إليه».
قلنا : جاز أن يكون واجبا لذاته.
ونمنع (٤) امتناع عدم ما يجب وجوده ، فانّه ينتقض بامتناع وجود العالم أزلا وإمكانه فيما لا يزال. فإذا عقل زوال الامتناع الذاتي وتجدّد الإمكان فليعقل زوال وجوب الواجب لذاته.
سلّمنا انّه ليس واجبا لذاته ، فلم قلتم : إنّه واجب لغيره؟ لاحتمال أن تكون الوجودية أولى وإن كان قابلا للعدم ، فلأجل قبوله للعدم لا يكون واجبا ، ولأجل الأولوية استغنى عن السبب ، كالصوت والحركة اللّذين يكون العدم لهما أولى ، ولذلك لا يوجدان إلّا عند تعلّق القادر بهما مع صحّة الوجود عليهما.
سلّمنا تساوي قبوله للوجود والعدم ، فلم قلتم : إنّه لا بدّ من سبب؟ لأنّ جهة الحاجة الحدوث ، لاستغناء البناء حال استمراره عن الباني ، والحجر المرمي (٥) بعد مفارقة الرامي.
__________________
(١) راجع المطالب العالية ٤ : ٢٩٥.
(٢) أثبتناه طبقا للسياق ولنهاية العقول.
(٣) مرّ في ص ١٩ ـ ٢٠.
(٤) جواب لقوله : «لأنّه ما يجب لذاته يمتنع عدمه».
(٥) إلى فوق بالقسر.