سلّمنا ، لكنّه لا امتناع في ذلك إذا اختلف الاعتبار كحدود المسافة الواحدة وكالنقطة الواحدة في الحركة الدورية.
الوجه الرابع : لو أمكن أن يستمر التسود إلى التبيض من غير أن يقع بينهما زمان كانت القوة على التسود بعينها قوّة على التبيض ، فالأبيض إذا أخذ في التسود كانت قوّته على التسود قوّة على التبيض فتكون في الأبيض قوّة على البياض ، وهو محال.
والجواب : الجسم عند كونه طالبا للبياض لا يأخذ في التسود ، لأنّ التسود آخذ من طبيعة السواد وطلب له وذلك لا يوجد مع طلب البياض بل ذلك إنّما يوجد بعد الابيضاض وانتهاء طلبه. فلا يلزم من قول من يقول : القوّة على التسود بعينها قوّة على التبيض أن تكون في الأبيض قوّة على البياض.
سلّمنا أنّه حال كونه أبيض يأخذ في التسود حتى تكون فيه قوّة على البياض لكن لا على البياض الحاصل ، بل على بياض آخر منتظر موجود بالقوّة. على أنّا نمنع الملازمة الأولى. ولا يلزم من اتصال الحركتين وحدتهما في الماهية بحيث يكون المقتضي لإحداهما مقتضيا للأخرى.
ولما استضعف الشيخ (١) هذه الحجج سلك نهجا آخر في إثبات السكون وهو : أنّ العلّة في تحريك الجسم من حدّ إلى آخر إنّما هو الميل الطبيعي أو القسري أو الإرادي ، والشيء إذا كان محرّكا للجسم إلى حدّ فلا بدّ وأن يكون موصلا له إليه والموصل يجب وجوده عند الاتصال لوجوب وجود العلّة عند وجود المعلول ، ثمّ إذا رجع الجسم من ذلك فلذلك الرجوع علّة ، لما عرفت من استناد الحركة إلى الميل ، وتلك العلّة أيضا آنية الوجود ولا يمكن أن يكون هو الميل الأوّل ، لأنّ الميل
__________________
(١) في المصدر السابق.