الثاني : للمحدث وجود وعدم ومسبوقية الوجود بالعدم. والعدم مستغن ؛ لأنّه نفي محض ، والمسبوقية واجبة للمحدث فيستغني ، فالمحتاج الوجود. وليس جهة الحاجة كونه وجودا وإلّا تسلسل ، واحتياج الشيء إلى نفسه ، فليست جهة الحاجة الحدوث ، بل الإمكان. فالمحتاج في وجوده إلى القادر لا يجب أن يكون محدثا.
الثالث : الممكن حالة البقاء ممكن ، لاستحالة انقلابه إلى الواجب والممتنع ، لاستحالة انقلاب الحقائق ، والإمكان علّة الحاجة فالباقي محتاج ، فليس من شرط الحاجة الحدوث.
لا يقال : إنّه حال بقائه يصير أولى ، فيكون غنيا عن المؤثر.
لأنّا نقول : تلك الأولوية إن كانت حاصلة لذاته كانت حاصلة حالة الحدوث ، فاستغنى الحادث عن المؤثر. وإن حصلت لأمر ، كان الباقي محتاجا في بقائه إلى علّة تلك الأولوية بواسطة حاجته إلى الأولوية ، وهو قول بحاجة الباقي إلى المؤثر.
الرابع : الحدوث مسبوقية الشيء بالعدم فهو صفة للوجود متأخر ، فيتأخر عن تأثير القادر فيه المتأخر عن احتياج الحادث إلى القادر المتأخر عن علّة الاحتياج ، فلا يكون علّة الحاجة وإلّا دار ، وإذا لم يكن للحدوث مدخل في الحاجة لم يلزم أن يكون المحتاج حادثا(١).
سلّمنا ، لكن القديم يجوز عدمه للوجوه الستّة السابقة في خواص
__________________
(١) قال في نهاية العقول : «واعلم انّا قد أوردنا قبل هذا السؤال سؤالا ذكرنا فيه أنّ علّة الحاجة هي الحدوث لا الإمكان وذلك إنّما ذكرناه على ما يليق بالسائل من المطالبة بكلّ جانب من جوانب الاحتمال ، ولكن ذاك ليس مذهبا للقوم ، وإنّما مذهبهم هذا الذي قررناه في هذا المقام. وسترى من هذا النوع كثيرا في هذا الكتاب وإنّما نبهناك عليه لئلّا تعدّه من الغفلة».