نفس المركز ، وإلّا لكانت النار الصاعدة طالبة لسطح الفلك والأرض السافلة طالبة لنفس المركز الحقيقي ، وذلك محال ، لأنّ المماس لسطح الفلك سطح واحد لطائفة من النار فتكون النار دائما خارجة عن حيّزها الطبيعي ، وهو محال. وفي الأرض أظهر إحالة لامتناع حصول الأرض بجملتها (١) في حيز النقطة.
ولأنّ الماء النازل لو طلب عين المركز لما طفا على الأرض. والهواء لو كان طالبا لمحيط الفلك لما يسفل بطبعه عن حيز النار.
لا يقال : النار والهواء يطلبان جهة واحدة لكن النار أغلب وأسبق إليه.
لأنّا نقول : لو كان كذلك لكان إذا وضعنا أيدينا على الهواء لأحسسنا باندفاعه إلى فوق ، كما إذا حبسناه في زق تحت الماء.
ولا يكون طلبه حالة النزول الحصول في المكان المطلق ، وإلّا لوقف في الهواء ولوقف الهواء تحت الماء.
ولا يجوز أن يكون طلبه القرب من العنصر الموافق له في الطبع ، وإلّا لوجب أن يلتصق الحجر المرسل من رأس النهر بشفيرها ، ولا يذهب في النزول ، فإنّ الاتصال بالكلية حاصل هناك. ولأنّا لو قدّرنا صعود كلية الأرض فإمّا أن يصعد ذلك الحجر أو لا ، فإن لم يصعد لم يكن مطلوبه القرب من الكلية ، وإن صعد فإمّا أن يكون لأنّه علم أنّ كلّه قد صعد وهو محال ، أو لأنّ كلّه جذبه إلى نفسه وهو محال ؛ لأنّ الشيء لا ينفعل عمّا يشاركه في نوعه. (٢)
فإذن الحركة الطبيعية تطلب الحيز الطبيعي وتهرب عن غير الطبيعي ، لا مطلقا بل مع ترتيب ـ بين أجزاء الكل ـ مخصوص ووضع مخصوص من الجسم
__________________
(١) ق : «بجلتها».
(٢) قال الرازي : «واعلم أنّ في هذين الوجهين كلاما طويلا نذكره في باب أنّ لكل جسم حيزا طبيعيا.» المصدر نفسه : ٧٣٨.