الفاعل للجهات ، فإنّ عين الجهة غير مقصود إلّا لحصول ذلك المعنى فيها. فالطلب متوجه إلى هذه الغاية. وأمّا الهرب فيصحّ في مقابلاتها أيّها اتفق ، فلو كان المكان غير طبيعي والترتيب طبيعي هرب عنه ، كالهواء المنتشف (١) المحصور في جرّة (٢) مرفوعة في الهواء ، فإنّ الجرة (٣) تنشف الماء من أسفل لشدة هرب الهواء من محيط غريب واستحالة وقوع الخلاء ووجوب تلازم الصفائح فيخلفه الماء في مسام الجرّة (٤) متصعدا فيها لهرب الهواء عنها.
تنبيه : (٥) قد عرفت بالوجدان أنّ الجسم إذا كان خارجا عن مكانه الطبيعي فانّه يتحرك إليه ويطلبه ويهرب عن غير الطبيعي.
وإذا تقرر هذا فنقول : هنا أمران يصلحان لعلية الحركة أحدهما : الهرب عن غير الطبيعي ، والثاني : الطلب للأمر الطبيعي ، وكلّ واحد منهما إذا جعل غاية ذاتية للحركة كان الآخر تابعا له. فهل الحركة بسبب الأوّل أو الثاني؟
الحقّ هو الثاني ، لأنّه لو لم تكن الحركة إلّا للهرب عن غير الطبيعي لم يكن بأن يتحرك إلى جانب أولى من أن يتحرك إلى جانب آخر ، فإمّا أن لا يتحرك أصلا ، أو يتحرك إلى كلّ الجوانب.
وفيه نظر ، لجواز أن تكون الحركة للهرب عن غير الطبيعي بالذات وبالعرض للطلب للطبيعي ، فلا تلزم الحركة إلى كلّ الجوانب.
سلّمنا ، لكن قد عرفت أنّ الحركة الطبيعية تطلب الغاية على أقرب الطرق ولا شكّ أنّ أقرب الطرق جهة واحدة فيكون ما عداها أمرا غير طبيعي فلا يجوز أن تطلبه الطبيعة حالة الهرب عن غير الطبيعي ، لأنّ ذلك المغاير للأقرب أيضا غير
__________________
(١) في النسخ : «المكثف» ، وما أثبتناه من الشفاء : ٣٠٧.
(٢) و (٣) و (٤) في بعض نسخ الشفاء : «آجرة ـ الآجرة».
(٥) راجع المصدر نفسه.