وعلى السادس : بأنّ انتهاء الحوادث إلينا يقتضي ثبوت النهاية لها من الجانب الذي يلينا وثبوت النهاية من أحد الجانبين لا ينافي اللانهاية من جانب آخر ، كالصحّة التي لا بداية لها لا نهاية إليها ، وحركات أهل الجنة لا نهاية لها مع أنّها في جانب البداية لها نهاية.
وعلى السابع : بما تقدّم من أنّ الأزل ليس حالة معينة بل هي نفي الأوّلية ، فلا يقال : هل وجد فيه حادث أو لا؟ والحادث الزماني الذي هو عبارة عن الشيء المسبوق بالعدم يمتنع وقوعه في الأزل.
فأمّا قولكم : «لمّا لم يقع شيء من الحوادث في الأزل ، فقد أشرنا إلى حالة لم يكن شيء من الحوادث هناك موجودا». فقد بيّنا أنّ الأزل ليس وقتا مخصوصا حتى يقال بأنّ ذلك الوقت قد خلا من الحوادث ، بل الأزل هو نفي الأوّلية. فقولنا : الأزل لم يوجد فيه شيء من الحوادث ، معناه أنّ نفي الأوّلية لم يوجد فيه شيء من الحوادث ، أي كلّ واحد من الحوادث مسبوق بالعدم ، فلم قلتم : لمّا كان كلّ واحد منها مسبوقا بالعدم وجب أن يكون الكل كذلك؟ فإنّ النزاع لم يقع إلّا فيه.
ويعارض بالصحّة ، فإنّ صحّة حدوث الحوادث إن كانت حاصلة في الأزل أمكن حدوث حادث أزلي ، وهو محال. وإن لم تكن فللصحة مبدأ ، وهو محال. ولمّا لم يقدح هذا في الصحّة (١) ، فكذا هنا.
وعلى الثامن : بأنّ كلّ ما دخل في الوجود فقد حصره الوجود ، بمعنى أن يكون الشيء (٢) طرف ، ونحن نسلم أنّ الحوادث محصورة من الجانب الذي يلينا ، لكن لم قلتم : إنّه يلزم من ذلك أن يكون محصورا من الطرف الذي لا يلينا؟ ثمّ يعارض بصحّة الحوادث.
__________________
(١) بأن لا تكون لها بداية.
(٢) في المباحث : «للشيء».