وعلى التاسع : أنّ قولكم : «يلزم أن لا ينفك الجسم عن حدوث الحوادث وعدمها». إن عنيتم أنّه يكون موصوفا بكلّ الحوادث وبعدمها معا ، فهو باطل ؛ لأنّ الحوادث ليس لكلّيتها وجود حتى يكون الجسم موصوفا بها. وإن عنيتم به أنّه في كلّ وقت من الأوقات يكون موصوفا بواحد من تلك الحوادث فهو في ذلك الوقت لا يكون موصوفا بعدم ذلك الحادث حتى يلزم التناقض ، بل يكون موصوفا بعدم سائر الحوادث. والتناقض إنّما يلزم إذا كان الشيء موصوفا بالحادث المعيّن وبعدم ذلك الحادث معا. وأمّا أن يكون في ذلك الوقت موصوفا بوجوده وبعدم غيره فأيّ تناقض فيه؟
والجواب بما يأتي من دلالة الاختيار ، وما تقدم من البراهين الدالة على الحدوث. وكون الأزل عدميا لا ينافي تقدير الوجود فيه ، كالزمان. والحكم يستدعي ثبوت المحكوم عليه ذهنا. ولا شكّ في تصور الكل وإلّا لامتنع الحكم عليه بأنّه غير مقصور وغير واقع. والصحّة أمر اعتباري لا تعقل فيه زيادة ولا نقصان ولا قلّة ولا كثرة. والتوقّف بكلا التفسيرين غير معقول ، فإنّ وجود حادث بعد انتهاء حوادث لا نهاية لها إليه غير ممكن. ونحن لا ندعي عمومية المساواة بين الكل وكلّ واحد في جميع الأحكام ، بل في حكم لاحق لطبيعة أمر من حيث ماهيته فانّه يجب مساواة الكل والجزء فيه ، وبالخصوص هنا ؛ فانّ الضرورة قضت بأنّ كلّ واحد إذا كان قد سبقه عدم فالمجموع المتوقف وجوده على وجود كلّ واحد يكون أولى بالمسبوقية بالعدم. وهذا حكم ضروري.
احتجوا (١) بوجوه :
__________________
(١) القائلون بعدم البداية والنهاية للزمان. وانظر الوجوه في الحادي عشر من ثالثة الأول من طبيعيات الشفاء ؛ المعتبر في الحكمة ٢ : ٩٠ ؛ المباحث المشرقية ١ : ٧٧٢ ؛ المطالب العالية ٥ : ٧٧ ؛ شرح حكمة العين : ٤٦٥ (شرح شمس الدين البخاري).