الوجه الأوّل : لو كان للزمان أوّل أو آخر لكان عدمه سابقا على وجوده أو وجوده سابقا على عدمه فالزمان موجود حال ما فرض معدوما ، هذا خلف. والزمان من عوارض الحركة التي هي من عوارض الجسم ، فالجسم والحركة لا أوّل لهما ولا آخر. قال المعلّم الأوّل : من قال بحدوث الزمان فقد قال بقدمه من حيث لا يشعر به.
الوجه الثاني : كلّ محدث فإنّ وجوده سابق على عدمه ، فإمّا أن يكون معنى هذا السّبق هو وجوده فقط ، وهو باطل ؛ لأنّه تعالى موجود مع الخلق ، وكونه متقدما على الخلق لا يبقى عند كونه مع الخلق. وإمّا أن يكون معناه وجوده وعدم الحوادث فقط ، وهو باطل ؛ لأنّ الحوادث قد تكون معدومة بعد ، ولم يصحّ بهذا الاعتبار أن يقال : إنّ الخالق قبل الخلق. فإذن المفهوم من هذا السبق شيء ثالث وهو : أنّه كان موجودا مع زمان لم توجد فيه هذه الحوادث ثمّ وجدت هذه الحوادث بعد تقضّي ذلك الزمان ، وهذا التقدم ثابت لله تعالى من الأزل إلى الأبد ، فهذا الزمان موجود من الأزل إلى الأبد.
الوجه الثالث : المحدث هو الذي لم يكن ثمّ كان ، فقولنا : «لم يكن» إمّا أن يكون إشارة إلى عدمه بالقياس إلى مدّة منقضية ، وإمّا أن يكون بالقياس إلى مجرد العدم الصّرف. والثاني محال ، لأنّه لو كان العدم بالقياس إلى العدم الصرف حدوثا لكان الباري تعالى حادثا لأنّه معدوم في المعدوم فانّه تعالى لم يكن في العدم الصرف ، فعلمنا أنّ قولنا : «لم يكن» إشارة إلى عدمه بالقياس إلى مدّة منقضية ، وقولنا : «لم يكن» (١) ثابت للمحدث من الأزل ، فالمدة ثابتة من الأزل.
الوجه الرابع : لو كان الزمان محدثا لكان إمّا أن يتميز حين حدوثه عمّا ليس هو حين حدوثه ، وإمّا أن لا يتميز. ومحال أن لا يتميز ، لأنّه يلزم أن يكون حدوثه
__________________
(١) أي الممكنيّة.