الزمان المعيّن لمّا لم يكن موجودا في الأزمنة المنقضية مع الباري كان الباري تعالى متقدما عليه. والتسلسل غير لازم ، لأنّ كلّ زمان متأخر فهو إنّما كان متأخرا لأنّه لم يوجد مع الباري في الزمان المتقدّم وذلك يقتضي أن يكون الحكم على كلّ زمان متأخر بكونه متأخرا متوقفا على وجود زمان آخر قبله ، والتسلسل على هذا الوجه غير باطل بل هو نفس مذهبهم.
لا يقال : التسلسل لازم من وجه آخر وهو أنّه إذا كان تقدم الباري تعالى على الزمان المعيّن لأجل الزمان لزم أن يكون معيته مع الزمان لأجل زمان آخر ويلزم منه أزمنة غير متناهية يحيط بعضها ببعض دفعة ، وهو محال.
لأنّا نقول : كون الزمان مع الباري لو ثبت له ثبت لنفسه لا لأمر منفصل ، ولهذا المعنى لا يعقل الوقت المعيّن واقعا إلّا على ذلك الوجه فالساعة لا تتصور إلّا الساعة ويستحيل وقوعها قبل هذه الساعة أو بعدها فإنّها لو حدثت لا حين ما حدثت لم تكن هذه الساعة بل غيرها ، فوقوعها كما وقعت من الواجبات ووقوعها يقتضي المعيّة مع الباري. فإذن الوقت المعيّن المقارن لوجود الباري مقارن له لذاته لا لأمر منفصل. فإذن لا يلزم التسلسل في الأزمنة.
وأمّا سائر الحوادث التي يحكم عليها بالمعية والتقدم والتأخر فليست معيتهما (١) لذاتيهما (٢) وعينهما (٣) فإنّ كلّ ما غاير الزمان يفرض وقوعه مع الباري أمكن أن يتصور ذلك الشيء بعينه قبله أو بعده. فظهر أنّ كون الزمان مع الباري لا يقتضي زمانا آخر وأنّ كون سائر الحوادث مع الباري يقتضي زمانا محيطا.
وكذا كلّ جزء من الزمان يقال له : إنّه تأخر عن جزء آخر ، فإنّما يقال له : إنّه متأخر ، لأنّه لم يوجد مع الجزء السابق من الزمان فهاهنا أيضا لم يظهر معنى التقدم والتأخر إلّا عند وجود الزمان.
__________________
(١) و (٢) و (٣) في المباحث بضمير الجمع المؤنث.