ولأنّ هذا الدهر الذي يثبتونه إمّا أن يكون وجوديا في الخارج أو لا ، فإن لم يكن بطل القول بالزمان ، لأنّه لمّا جاز أن تكون المعية بين الثابت وبين ما ليس بثابت لأجل أمر ليس بموجود في الخارج جاز أن تكون معية المتغير مع المتغير لأجل أمر ليس بموجود في الخارج. وإن كان الدهر موجودا في الخارج ، فإمّا أن يكون ثابتا أو متقضيا ، فإن كان ثابتا استحال انطباقه على الزمان المقتضي ، إذ لو جاز أن يتقدر الزمان المتقضي بالدهر الثابت جاز أن تتقدر الحركة بالدهر ، وحينئذ لا يحتاج إلى الزمان. وإن كان متقضيا استحال انطباقه على الثابت إذ لو جاز أن يتقدّر الثابت بالمتغير ويتحدد به جاز أن تتحدد الأمور الثابتة وتتقدر بالزمان ، وحينئذ لا يحتاج إلى الدهر. فثبت أنّ التقدم والتأخر والمعية على الوجه المخصوص لا حاجة بها إلى وجود مقدار الحركة ، فبطل القول بالزمان.
وأيضا الدهر والسرمد ليسا واجبين لذاتيهما بل هما ممكنان ، وليسا بجوهرين مستقلين بالذات في الوجود فهما عرضان. وليس بعض الأشياء بالمحلّية لهما أولى من بعض.
الوجه الخامس : لو كان الزمان موجودا لكان مقدارا للحركة لأدلة المشائين ، والتالي باطل ، لأنّ الحركة إمّا بمعنى التوسط وهي آنية ولا تعلق لها بالزمان ، لأنّ الشيخ صرح بذلك. (١) ولأنّ كلّ آن يفرض فإنّه يوجد الجسم فيه عند كونه متحركا حاصلا في الوسط. وإمّا بمعنى القطع وهي ذهنية لا خارجية على ما صرح به الشيخ ، فيكون الزمان متعلّق الوجود بما لا تحقّق له في الخارج فلا يكون له وجود في الخارج.
فإذن الحقّ أنّ وجود الزمان كوجود الحركة بمعنى القطع ، فكما أنّ الذهن لما ارتسمت فيه صورة المتحرك عند كونه في المكان الأوّل ثمّ قبل زوال تلك الصورة
__________________
(١) راجع الفصل الأوّل من ثانية الأول من الشفاء (السماع الطبيعي).