ارتسمت صورة عند كونه في المكان الثاني ، فحينئذ يشعر الذهن بالصورتين معا على أنّهما شيء واحد ممتد ، وإن لم يكن لذلك وجود في الخارج فكذا الزمان وجوده في الذهن فقط ؛ فانّ للمتحرك قربا من بداية المسافة ونهايتها ، لكن القربان لا يوجدان دفعة في الخارج بل توجد في النفس صورتاهما معا مع صورة الواسطة ، فحينئذ يشعر الذهن بجميع تلك الأمور على أنّها أمر واحد. وليس لذلك وجود في الخارج كما ليس للحركة ، وليس في الخارج إلّا اقتران متجدد موهوم بمتجدد معلوم ازالة للابهام ، كما يقال : آتيك عند طلوع الشمس ، فإنّ طلوع الشمس معلوم والمجيء موهوم. فإذا قرن ذلك الموهوم بذلك المعلوم زال الابهام. ولو أنّ الموقت قرن المجيء بحادث آخر كقدوم زيد صحّ ، لكن طلوع الشمس لمّا كان أعمّ وأعرف وأشهر كان هذا التوقيت أولى. (١)
وقد اعترض الشيخ على الأوّل : بأنّا نسلّم أنّ الزمان ليس موجودا في الآن ولا في الماضي ولا في المستقبل ، لكن لم قلتم بأنّه لو كان موجودا لكان وجوده إمّا في الآن أو في الماضي أو في المستقبل؟ فإنّ الوجود المطلق أعمّ من الوجود في الآن أو في الماضي أو في المستقبل ، ولا يلزم من كذب الأخص كذب الأعم ، كما لو قيل : لو كان المكان موجودا لكان موجودا إمّا في المكان أو في طرف منه ، فانّه يكون قولا باطلا. فكذا لو قيل : لو كان الزمان موجودا لكان وجوده إمّا في الماضي أو في المستقبل أو في الآن الذي هو طرفه ، كان قولا باطلا ، بل الزمان موجود مع أنّه ليس موجودا في الماضي ولا في المستقبل ولا في الآن ، لأنّا لا نعني بالزمان إلّا الإمكان المفترض من مبدأ المسافة ومنتهاها الذي يمكن أن تقع فيه حركة مخصوصة على قدر مخصوص من السرعة ، فإن لم يكن الزمان موجودا لم يكن هذا الإمكان موجودا. ولمّا عرفنا بالضرورة أنّ لهذا الإمكان وجودا علمنا أنّ الزمان
__________________
(١) فهذا ما يمكن أن يقوله نفاة الزمان وإن كان أكثره غير مذكور في الكتب. المباحث : ٧٦١.