أي اقبلوه ، (وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا) أي من قبوله واتباعه.
وقال الله تعالى : (وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) أي الباطل (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) أي الحرام ، وهو الرشوة ، كما قاله ابن مسعود وغير واحد ، أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له ، ثم قال لنبيه (فَإِنْ جاؤُكَ) أي يتحاكمون إليك (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً) أي فلا عليك أن لا تحكم بينهم ، لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق بل ما يوافق أهواءهم ، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وعطاء الخراساني والحسن وغير واحد : هي منسوخة (١) بقوله (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) [المائدة : ٤٩] ، (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) أي بالحق والعدل ، وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).
ثم قال تعالى منكرا عليهم في آرائهم الفاسدة ، ومقاصدهم الزائغة في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم ، الذي يزعمون أنهم مأمورون بالتمسك به أبدا ، ثم خرجوا عن حكمه ، وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم ، فقال (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران ، فقال (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا) أي لا يخرجون عن حكمها ولا يبدلونها ولا يحرفونها ، (وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) أي وكذلك الربانيون منهم ، وهم العلماء العباد ، والأحبار وهم العلماء (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) أي بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهروه ويعملوا به ، (وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ) أي لا تخافوا منهم وخافوا مني ، (وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) فيه قولان سيأتي بيانهما.
سبب آخر في نزول هذه الآيات الكريمات
قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا إبراهيم بن العباس ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : إن الله أنزل : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ... (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ... (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) ، قال قال ابن عباس : أنزلها الله في الطائفتين من اليهود ، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٥٨٥ ـ ٥٨٦.
(٢) مسند أحمد ١ / ٢٤٦.