حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق ، فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا ، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا لنا بمائة وسق ، فقالت الذليلة : وهل كان في حيين دينهما واحد ، ونسبهما واحد ، وبلدهما واحد ، دية بعضهم نصف دية بعض ، إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم فكادت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بينهم ، ثم ذكرت العزيزة ، فقالت : والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ، ولقد صدقوا ، ما أعطونا هذا إلا ضيما منا وقهرا لهم فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه ، وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه ، فدسوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما جاءوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أخبر الله رسوله صلىاللهعليهوسلم بأمرهم كله وما أرادوا ، فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) إلى قوله (الْفاسِقُونَ) ففيهم والله أنزل ، وإياهم عنى الله عزوجل ، ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه بنحوه.
وقال أبو جعفر (١) بن جرير حدثنا هناد بن السري وأبو كريب ، قالا : حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق ، حدثني داود بن الحصين عن عكرمة ، عن ابن عباس : أن الآيات التي في المائدة قوله (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) ـ إلى (الْمُقْسِطِينَ) إنما أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة ، وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف ، تؤدى لهم الدية كاملة ، وأن قريظة كانوا يؤدى لهم نصف الدية ، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الحق في ذلك ، فجعل الدية في ذلك سواء ، والله أعلم أي ذلك كان ، ورواه أحمد وأبو داود والنسائي من حديث ابن إسحاق بنحوه.
ثم قال ابن جرير (٢) : حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد الله بن موسى عن علي بن صالح ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كانت قريظة والنضير ، وكانت النضير أشرف من قريظة ، فكان إذا قتل القرظي رجلا من النضير قتل به ، وإذا قتل النضيري رجلا من قريظة ، ودي بمائة وسق من تمر ، فلما بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم قتل رجل من النضير رجلا من قريظة ، فقالوا : ادفعوا إليه ، فقالوا : بيننا وبينكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فنزلت (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) ، ورواه أبو داود والنسائي وابن حبان والحاكم في المستدرك من حديث عبيد الله بن موسى بنحوه ، وهكذا قال قتادة ومقاتل بن حبان وابن زيد وغير واحد.
وقد روى العوفي وعلي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس أن هذه الآيات نزلت في
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٥٨٣.
(٢) المصدر السابق.