اليهوديين اللذين زنيا ، كما تقدمت الأحاديث بذلك ، وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد ، فنزلت هذه الآيات في ذلك كله ، والله أعلم ، ولهذا قال بعد ذلك (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) [المائدة : ٤٥] إلى آخرها ، وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) قال البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبو مجلز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله والحسن البصري وغيرهم : نزلت في أهل الكتاب ، زاد الحسن البصري : وهي علينا واجبة ، وقال عبد الرزاق عن سفيان الثوري ، عن منصور عن إبراهيم ، قال نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ، ورضي الله لهذه الأمة بها ، رواه ابن جرير (١).
وقال ابن جرير (٢) أيضا : حدثنا يعقوب ، حدثنا هشيم أخبر عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل ، عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة. فقال : من السحت ، قال فقالا : وفي الحكم ، قال : ذاك الكفر ، ثم تلا ، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) وقال السدي (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) يقول : ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم ، فهو من الكافرين ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر ، ومن أقرّ به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق ، رواه ابن جرير ، ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب ، أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب ، وقال عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن زكريا ، عن الشعبي : ومن لم يحكم بما أنزل الله ، قال للمسلمين.
وقال ابن جرير (٣) : حدثنا ابن المثنى ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا شعبة عن ابن أبي السفر ، عن الشعبي (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) قال : هذا في المسلمين (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) قال : هذا في اليهود (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) قال : هذا في النصارى ، وكذا رواه هشيم والثوري ، عن زكريا بن أبي زائدة ، عن الشعبي وقال عبد الرزاق (٤) أيضا : أخبرنا معمر عن ابن طاوس ، عن أبيه قال : سئل ابن عباس عن قوله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ) الآية ، قال : هي به كفر ، قال ابن طاوس : وليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وقال الثوري ، عن ابن جريج ، عن عطاء أنه قال : كفر دون
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٥٩٦ ـ ٥٩٧.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٤٩٧.
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٥٩٥.
(٤) تفسير الطبري ٤ / ٥٩٦.