النووي في هذه المسألة ثلاثة أوجه ، ثالثها أن شرع إبراهيم حجة دون غيره : وصحح منها عدم الحجية ، ونقلها الشيخ أبو إسحاق الإسفراييني أقوالا عن الشافعي ، وأكثر الأصحاب ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصحابنا ، فالله أعلم.
وقد حكى الإمام أبو نصر بن الصباغ رحمهالله في كتابه «الشامل» ، إجماع العلماء ، على الاحتجاج بهذه الآية على ما دلت عليه ، وقد احتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالمرأة بعموم هذه الآية الكريمة ، وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كتب في كتاب عمرو بن حزم «أن الرجل يقتل بالمرأة» (١) ، وفي الحديث الآخر «المسلمون تتكافأ دماؤهم» (٢) ، وهذا قول جمهور العلماء ، وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلا أن يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية ، لأن ديتها على النصف من دية الرجل ، وإليه ذهب أحمد في رواية ، وحكي عن الحسن وعطاء وعثمان البستي ، ورواية عن أحمد أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها بل تجب ديتها.
وهكذا احتج أبو حنيفة رحمهالله تعالى بعموم هذه الآية على أنه يقتل المسلم بالكافر الذمي ، وعلى قتل الحر بالعبد ، وقد خالفه الجمهور فيهما ، ففي الصحيحين عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لا يقتل مسلم بكافر» (٣) وأما العبد ففيه عن السلف آثار متعددة أنهم لم يكونوا يقيدون العبد من الحر ، ولا يقتلون حرا بعبد ، وجاء في ذلك أحاديث لا تصح ، وحكى الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك ، ولكن لا يلزم من ذلك بطلان قولهم إلا بدليل مخصص للآية الكريمة.
ويؤيد ما قاله ابن الصباغ من الاحتجاج بهذه الآية الكريمة الحديث الثابت في ذلك ، كما قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا محمد بن أبي عدي ، حدثنا حميد عن أنس بن مالك أن الربيع عمة أنس ، كسرت ثنية جارية ، فطلبوا إلى القوم العفو فأبوا ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال «القصاص» ، فقال أخوها أنس بن النضر : يا رسول الله ، تكسر ثنية فلانة؟! فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يا أنس كتاب الله القصاص» قال فقال : لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية فلانة ، قال : فرضي القوم فعفوا وتركوا القصاص ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» أخرجاه في الصحيحين.
وقد رواه محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري في الجزء المشهور من حديثه ، عن حميد ، عن أنس بن مالك أن الربيع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت ثنيتها ، فعرضوا عليهم
__________________
(١) سنن النسائي (قسامة باب ٤٦)
(٢) سنن النسائي (قسامة باب ١٠ و١٣) وسنن أبي داود (جهاد باب ١٤٧ وديات باب ١١)
(٣) صحيح البخاري (علم باب ٣٩ وديات باب ٢٤ و٣١) وسنن أبي داود (ديات باب ١١ و١٤٧)
(٤) مسند أحمد ٣ / ١٢٨.