الأرش (١) فأبوا ، فطلبوا الأرش والعفو فأبوا ، فأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأمرهم بالقصاص ، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال : يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أتكسر ثنية الربيع؟ والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «يا أنس كتاب الله القصاص» فعفا القوم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» رواه البخاري عن الأنصاري بنحوه.
وروى أبو داود : حدثنا أحمد بن حنبل ، حدثنا معاذ بن هشام ، حدثنا أبي عن قتادة ، عن أبي نضرة ، عن عمران بن حصين أن غلاما لأناس فقراء ، قطع أذن غلام لأناس أغنياء ، فأتى أهله النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا رسول الله ، إنا أناس فقراء ، فلم يجعل عليه شيئا.
وكذا رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه ، عن معاذ بن هشام الدستوائي ، عن أبيه ، عن قتادة به. وهذا إسناد قوي ، رجاله كلهم ثقات ، وهو حديث مشكل ، اللهم إلا أن يقال : إن الجاني كان قبل البلوغ فلا قصاص عليه ، ولعله تحمل أرش ما نقص من غلام الأغنياء عن الفقراء أو استعفاهم عنه.
وقوله تعالى : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) قال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس قال : تقتل النفس بالنفس ، وتفقأ العين بالعين ، ويقطع الأنف بالأنف ، وتنزع السن بالسن ، وتقتص الجراح بالجراح ، فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم رجالهم ونساؤهم ، إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس ، رواه ابن جرير (٢) وابن أبي حاتم.
قاعدة مهمة :
الجراح تارة تكون في مفصل ، فيجب فيه القصاص بالإجماع ، كقطع اليد والرجل والكف والقدم ونحو ذلك ، وأما إذا لم تكن الجراح في مفصل بل في عظم ، فقال مالك رحمهالله : فيه القصاص إلا في الفخذ وشبهها ، لأنه مخوف خطر. وقال أبو حنيفة وصاحباه : لا يجب القصاص في شيء من العظام إلا في السن. وقال الشافعي : لا يجب القصاص في شيء من العظام مطلقا ، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابن عباس ، وبه يقول عطاء والشعبي والحسن البصري والزهري وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز ، وإليه ذهب سفيان الثوري والليث بن سعد ، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، وقد احتج أبو حنيفة رحمهالله بحديث الربيع بنت النضر على مذهبه أنه لا قصاص في عظم إلا في السن ، وحديث الربيع لا حجة فيه لأنه ورد بلفظ كسرت ثنية جارية ، وجائز أن تكون سقطت من غير كسر ، فيجب القصاص والحالة
__________________
(١) الأرش : دية الجراحة.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٥٩٩.