هذه بالإجماع ، وتمموا الدلالة مما رواه ابن ماجة من طريق أبي بكر بن عياش ، عن دهشم بن قران ، عن نمران بن جارية ، عن أبيه جارية بن ظفر الحنفي : أن رجلا ضرب رجلا على ساعده بالسيف من غير المفصل فقطعها ، فاستعدى النبي صلىاللهعليهوسلم فأمر له بالدية ، فقال : يا رسول الله ، أريد القصاص ، فقال : خذ الدية ، بارك الله لك فيها ، ولم يقض له بالقصاص (١).
وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر : ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد ، ودهشم بن قران العكلي ضعيف ، أعرابي ليس حديثه مما يحتج به ، ونمران بن جارية ضعيف ، أعرابي أيضا ، وأبوه جارية بن ظفر مذكور في الصحابة.
ثم قالوا : لا يجوز أن يقتص من الجراحة حتى تندمل جراحة المجني عليه ، فإن اقتص منه قبل الاندمال ثم زاد جرحه ، فلا شيء له ، والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد (٢) عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته ، فجاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : أقدني ، فقال «حتى تبرأ» ، ثم جاء إليه فقال : أقدني ، فأقاده فقال : يا رسول الله عرجت ، فقال «قد نهيتك فعصيتني ، فأبعدك الله وبطل عرجك» ثم نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه ، تفرد به أحمد.
[مسألة] فلو اقتص المجني عليه من الجاني فمات من القصاص ، فلا شيء عليه عند مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وغيرهم. وقال أبو حنيفة : تجب الدية في مال المقتص. وقال عامر الشعبي وعطاء وطاوس وعمرو بن دينار والحارث العكلي وابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان ، والزهري والثوري تجب الدية على عاقلة المقتص له. وقال ابن مسعود وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة وعثمان البستي : يسقط عن المقتص له قدر تلك الجراحة ، ويجب الباقي في ماله.
وقوله تعالى : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ) يقول : فمن عفا وتصدق عليه فهو كفارة للمطلوب وأجر للطالب. وقال سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : فمن تصدق به فهو كفارة للجارح وأجر المجروح على الله عزوجل ، رواه ابن أبي حاتم ، ثم قال : وروي عن خيثمة بن عبد الرحمن ومجاهد وإبراهيم في أحد قوليه وعامر الشعبي وجابر بن زيد نحو ذلك.
[الوجه الثاني] ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا حماد بن زاذان ، حدثنا حرمي يعني ابن عمارة ، حدثنا شعبة عن عمارة يعني ابن أبي حفصة ، عن رجل ، عن جابر بن عبد الله في
__________________
(١) سنن ابن ماجة (ديات حديث ٢٦٣٦)
(٢) مسند أحمد ٢ / ٢١٧.