عن ابن عباس : أي مؤتمنا عليه. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : المهيمن الأمين ، قال : القرآن أمين على كل كتاب قبله. ورواه عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب وعطية والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي وابن زيد نحو ذلك ، وقال ابن جرير (١) : القرآن أمين على الكتب المتقدمة قبله ، فما وافقه منها فهو حق ، وما خالفه منها فهو باطل ، وعن الوالبي عن ابن عباس (وَمُهَيْمِناً) أي شهيدا ، وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي. وقال العوفي عن ابن عباس (وَمُهَيْمِناً) أي حاكما على ما قبله من الكتب ، وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى ، فإن اسم المهيمن يتضمن هذا كله ، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله ، جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأكملها حيث جمع فيه محاسن ما قبله ، وزاده من الكمالات ، ما ليس في غيره ، فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة ، فقال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) [الحجر : ٩].
فأما ما حكاه ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبي نجيح عن مجاهد ، أنهم قالوا في قوله (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) يعني محمدا صلىاللهعليهوسلم أمين على القرآن فإنه صحيح في المعنى ، ولكن في تفسير هذا بهذا نظر ، وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضا نظر ، وبالجملة فالصحيح الأول.
وقال أبو جعفر بن جرير (٢) بعد حكايته له عن مجاهد : وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب ، بل هو خطأ ، وذلك أن المهيمن عطف على المصدق ، فلا يكون إلا صفة لما كان المصدق صفة له ، قال : ولو كان الأمر كما قال مجاهد لقيل : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) ، يعني من غير عطف (٣).
وقوله تعالى : (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ) أي فاحكم يا محمد بين الناس ، عربهم وعجمهم ، أميهم وكتابيهم ، بما أنزل الله إليك في هذا الكتاب العظيم ، وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك ، هكذا وجهه ابن جرير (٤) بمعناه ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عمار ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كان النبي صلىاللهعليهوسلم مخيرا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم ، فردهم إلى أحكامهم ، فنزلت (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٦٠٦.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٦٠٨.
(٣) أضاف ابن جرير موضحا : لأنه لم يتقدم من صفة (الكاف) التي في (إليك) بعدها شيء يكون (مهيمنا عليه) عطفا عليه ، وإنما عطف به على (المصدق) لأنه من صفة (الكتاب) الذي من صفته (المصدق)
(٤) تفسير الطبري ٤ / ٦٠٩.