وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا.
وقوله (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ) أي آراءهم التي اصطلحوا عليها ، وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله ، ولهذا قال تعالى : (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمَّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِ) أي لا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء هؤلاء الجهلة الأشقياء. وقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق ، عن أبي إسحاق عن أبيه ، عن التميمي ، عن ابن عباس (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً) قال : سبيلا. وحدثنا أبو سعيد ، حدثنا وكيع عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن التميمي ، عن ابن عباس (وَمِنْهاجاً) قال : وسنة ، كذا روى العوفي عن ابن عباس (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) سبيلا وسنة ، وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي ، أنهم قالوا في قوله (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) أي سبيلا وسنة ، وعن ابن عباس أيضا ومجاهد ، أي وعطاء الخراساني عكسه (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) أي سنة وسبيلا ، والأول أنسب ، فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا هي ما يبتدأ فيه إلى الشيء ، ومنه يقال : شرع في كذا ، أي ابتدأ فيه ، وكذا الشريعة وهي ما يشرع فيها إلى الماء. أما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل ، والسنن الطرائق.
فتفسير قوله : (شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس ، والله أعلم. ثم هذا إخبار عن الأمم المختلفة الأديان ، باعتبار ما بعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم قال «نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلات ، ديننا واحد» (١) يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله وضمنه كل كتاب أنزله ، كما قال تعالى (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء : ٢٥] وقال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل : ٣٦] الآية ، وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراما ، ثم يحل في الشريعة الأخرى ، وبالعكس ، وخفيفا فيزاد في الشدة في هذه دون هذه ، وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة ، والحجة الدامغة.
قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : قوله (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) يقول : سبيلا وسنة ، والسنن مختلفة ، هي في التوراة شريعة ، وفي الإنجيل شريعة ، وفي الفرقان شريعة ، يحل الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء ، ليعلم من يطيعه ممن يعصيه ، والدين الذي لا يقبل الله غيره ، التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام.
__________________
(١) صحيح البخاري (أنبياء باب ٤٨)