يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر ، (يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ) أي يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين ، فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى ، فينفعهم ذلك. عند ذلك قال الله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) قال السدي : يعني فتح مكة. وقال غيره : يعني القضاء والفصل ، (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ). قال السدي : يعني ضرب الجزية على اليهود والنصارى ، (فَيُصْبِحُوا) يعني الذين والوا اليهود والنصارى من المنافقين (عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ) من الموالاة ، (نادِمِينَ) أي على ما كان منهم مما لم يجد عنهم شيئا ، ولا دفع عنهم محذورا ، بل كان عين المفسدة ، فإنهم فضحوا وأظهر الله أمرهم في الدنيا لعباده المؤمنين بعد أن كانوا مستورين ، لا يدرى كيف حالهم ، فلما انعقدت الأسباب الفاضحة لهم تبين أمرهم لعباد الله المؤمنين ، فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهرون أنهم من المؤمنين ، ويحلفون على ذلك ويتأولون فبان كذبهم وافتراؤهم ، ولهذا قال تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ).
وقد اختلف القرّاء في هذا الحرف فقرأه الجمهور بإثبات الواو في قوله (وَيَقُولُ) ، ثم منهم من رفع ويقول على الابتداء ، ومنهم من نصب عطفا على قوله (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) فتقديره أن يأتي وأن يقول وقرأ أهل المدينة (يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) بغير واو ، وكذلك هو في مصاحفهم على ما ذكره ابن جرير (١). قال ابن جرير عن مجاهد (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) تقديره حينئذ (يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ).
واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآيات الكريمات ، فذكر السدي أنها نزلت في رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أحد : أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي فآوي إليه وأتهوّد معه ، لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث. وقال الآخر أما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصراني بالشام فآوي إليه وأتنصر معه ، فأنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) الآيات ، وقال عكرمة : نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول اللهصلىاللهعليهوسلم إلى بني قريظة فسألوه : ماذا هو صانع بنا؟ فأشار بيده إلى حلقه أي أنه الذبح ، رواه ابن جرير (٢).
وقيل : نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول ، كما قال ابن جرير (٣) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا ابن إدريس قال : سمعت أبي عن عطية بن سعد قال : جاء عبادة بن الصامت من بني
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٦٢١.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٦١٦.
(٣) تفسير الطبري ٤ / ٦١٥.