الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي موالي من يهود كثير عددهم ، وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ، وأتولى الله ورسوله ، فقال عبد الله بن أبي : إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لعبد الله بن أبي «يا أبا الحباب ، ما بخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت ، فهو لك دونه» قال : قد قبلت ، فأنزل الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ) الآيتين.
ثم قال ابن جرير (١) : حدثنا هناد ، حدثنا يونس بن بكير ، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري : قال : لما انهزم أهل بدر ، قال المسلمون لأوليائهم من اليهود : أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر ، فقال مالك بن الصيف : أغركم أن أصبتم رهطا من قريش لا علم لهم بالقتال ، أما لو أمررنا (٢) العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد أن تقاتلونا ، فقال عبادة بن الصامت : يا رسول الله ، إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم كثيرا سلاحهم شديدة شوكتهم ، وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولاية يهود ، ولا مولى لي إلا الله ورسوله ، فقال عبد الله بن أبي : لكني لا أبرأ من ولاية يهود إني رجل لا بد لي منهم ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «يا أبا الحباب ، أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت ، فهو لك دونه» فقال: إذا أقبل ، قال : فأنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ ـ إلى قوله تعالى ـ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
وقال : محمد بن إسحاق (٣) : فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت ما بينها وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم بنو قينقاع ، فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : فحاصرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى نزلوا على حكمه ، فقام إليه عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم ، فقال : يا محمد أحسن في موالي وكانوا حلفاء الخزرج ، قال : فأبطأ عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : يا محمد أحسن في موالي ، قال : فأعرض عنه. قال : فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال له رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «أرسلني» ، وغضب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى رأوا لوجهه ظللا ، ثم قال «ويحك أرسلني» قال : لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربعمائة حاسر (٤) ، وثلاثمائة دارع ، قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدني (٥) في غداة واحدة إني امرؤ أخشى الدوائر ، قال : فقال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «هم لك».
قال محمد بن إسحاق : فحدثني أبو إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن
__________________
(١) المصدر نفسه.
(٢) أي أجمعنا العزيمة.
(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٤٧.
(٤) الحاسر : الذي لا درع له ، بعكس الدارع.
(٥) في سيرة ابن هشام : «تحصدهم» وهي أوضح.