فكله ، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله» (١) ففرق بين ما أصابه بالسهم أو بالمزراق (٢) ونحوه بحده ، فأحله ، وما أصاب بعرضه فجعله وقيذا لم يحله ، وهذا مجمع عليه عند الفقهاء ، واختلفوا فيما إذا صدم الجارحة الصيد فقتله بثقله ، ولم يجرحه على قولين ، هما قولان للشافعي رحمهالله [أحدهما] لا يحل كما في السهم والجامع أن كلا منهما ميت بغير جرح فهو وقيذ. [والثاني] إنه يحل لأنه حكم بإباحة ما صاده الكلب ولم يستفصل ، فدل على إباحة ما ذكرناه ، لأنه قد دخل في العموم ، وقد قررت لهذه المسألة فصلا فليكتب هاهنا.
[فصل] ـ اختلف العلماء رحمهمالله تعالى فيما إذا أرسل كلبا على صيد فقتله بثقله ولم يجرحه ، أو صدمه : هل يحل أم لا؟ على قولين [أحدهما] أن ذلك حلال لعموم قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ، وكذا عمومات حديث عدي بن حاتم ، وهذا قول حكاه الأصحاب عن الشافعي رحمهالله ، وصححه بعض المتأخرين منهم كالنووي والرافعي. قلت : وليس ذلك بظاهر من كلام الشافعي في الأم والمختصر ، فإنه قال في كلا الموضعين : يحتمل معنيين ، ثم وجه كلا منهما فحمل ذلك الأصحاب منه ، فأطلقوا في المسألة قولين عنه ، اللهم إلا أنه في بحثه للقول بالحل رشحه قليلا ، ولم يصرح بواحد منهما ، ولا جزم به ، والقول بذلك ـ أعني الحل ـ نقله ابن الصباغ عن أبي حنيفة من رواية الحسن بن زياد عنه ، ولم يذكر غير ذلك. وأما أبو جعفر بن جرير فحكاه في تفسيره عن سلمان الفارسي وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر ، وهذا غريب جدا ، وليس يوجد ذلك مصرحا به عنهم ، إلا أنه من تصرفه رحمهالله ورضي عنه.
والقول الثاني ـ أن ذلك لا يحل ، وهو أحد القولين عن الشافعي رحمهالله واختاره المزني ، ويظهر من كلام ابن الصباغ ترجيحه أيضا ، والله أعلم. ورواه أبو يوسف ومحمد عن أبي حنيفة ، وهو المشهور عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، وهذا القول أشبه بالصواب ، والله أعلم ، لأنه أجرى على القواعد الأصولية ، وأمس بالأصول الشرعية ، واحتج ابن الصباغ له بحديث رافع بن خديج ، قلت : يا رسول الله ، إنا ملاقو العدو غدا ، وليس معنا مدى ، أفنذبح بالقصب؟ قال «ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه» الحديث بتمامه ، وهو في الصحيحين (٣). وهذا وإن كان واردا على سبب خاص ، فالعبرة بعموم اللفظ عند جمهور من العلماء في الأصول والفروع ، كما سئل عليهالسلام عن البتع ، وهو نبيذ العسل فقال «كل شراب أسكر فهو حرام» ، أفيقول فقيه : إن هذا اللفظ مخصوص بشراب العسل؟ وهكذا هذا ، كما سألوه عن شيء من الذكاة ، فقال لهم كلاما عاما يشمل ذاك المسؤول عنه وغيره لأنه عليه
__________________
(١) صحيح البخاري (توحيد باب ١٣) وصحيح مسلم (صيد حديث ١)
(٢) المزراق : رمح قصير.
(٣) صحيح البخاري (شركة باب ٣ و ١٦ ذبائح باب ١٥ و ١٨) وصحيح مسلم (أضاحي حديث ٢٠)