وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن السنجاني حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال : نزل آدم بتحريم أربع (الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) ، وإن هذه الأربعة الأشياء لم تحل قط ، ولم تزل حراما منذ خلق الله السموات والأرض ، فلما كانت بنو إسرائيل حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بذنوبهم ، فلما بعث الله عيسى ابن مريم عليهالسلام نزل بالأمر الأول الذي جاء به آدم وأحل لهم ما سوى ذلك ، فكذبوه وعصوه ، وهذا أثر غريب ، وقال ابن أبي حاتم أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا ربعي عن عبد الله ، قال : سمعت الجارود بن أبي سبرة ، قال : هو جدي ، قال : كان رجل من بني رباح يقال له ابن وثيل ، وكان شاعرا ، نافر غالبا أبا الفرزدق بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من إبله وهذا مائة من إبله إذا وردت الماء ، فلما وردت الماء قاما إليها بسيفيهما فجعلا يكسفان (١) عراقيبها ، قال : فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم ، قال : وعلي بالكوفة ، قال : فخرج علي على بغلة رسول الله صلىاللهعليهوسلم البيضاء وهو ينادي : يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها ، فإنها أهل بها لغير الله ، هذا أثر غريب ، ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود(٢) : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا ابن حماد بن مسعدة عن عوف ، عن أبي ريحانة ، عن ابن عباس ، قال : نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن معاقرة (٣) الأعراب ، ثم قال أبو داود محمد بن جعفر هو غندر : أوقفه على ابن عباس ، تفرد به أبو داود ، وقال أبو داود (٤) أيضا : حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء ، حدثنا أبي ، حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن حريث ، قال : سمعت عكرمة يقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل ، ثم قال أبو داود : أكثر من رواه غير ابن جرير لا يذكر فيه ابن عباس ، تفرد به أيضا.
قوله : (وَالْمُنْخَنِقَةُ) وهي التي تموت بالخنق ، إما قصدا وإما اتفاقا بأن تتخبل في وثاقتها ، فتموت به فهي حرام ، وأما (الْمَوْقُوذَةُ) فهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت ، كما قال ابن عباس وغير واحد : هي التي تضرب بالخشبة حتى يوقذها فتموت ، قال قتادة: كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي حتى إذا ماتت أكلوها. وفي الصحيح أن عدي بن حاتم قال : قلت : يا رسول الله ، إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب ، قال «إذا رميت بالمعراض فخزق
__________________
(١) يكسفان عراقيبها (بالسين المهملة) : يقطعانها بالسيف.
(٢) سنن أبي داود (أضاحي باب ١٣)
(٣) معاقرة الأعراب : هو عقرهم الإبل. كان يتبارى الرجلان في الجود والسخاء فيعقر هذا إبلا ويعقر هذا إبلا حتى يعجز أحدهما الآخر. وكانوا يفعلونه رياء وتفاخرا وسمعة ولا يقصدون به وجه الله ، فشبه به ما ذبح لغير الله.
(٤) سنن أبي داود (أطعمة باب ٧)