ذكرها ابن إسحاق : [الطويل]
وإياك والميتات لا تقربنها |
|
ولا تأخذن عظما حديدا فتفصدا (١) |
أي لا تفعل فعل الجاهلية ، وذلك أن أحدهم كان إذا جاع يأخذ شيئا محددا من عظم ونحوه ، فيفصد به بعيره أو حيوانا من أي صنف كان ، فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه ، ولهذا حرم الله الدم على هذه الأمة ، ثم قال الأعشى :
وذا النصب المنصوب لا تأتينه (٢) |
|
ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا (٣) |
وقوله : (وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) يعني إنسيه ووحشيه ، واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم ، ولا يحتاج إلى تحذلق الظاهرية في جمودهم هاهنا ، وتعسفهم في الاحتجاج بقوله : (فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً) يعنون قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير حتى يعم جميع أجزائه ، وهذا بعيد من حيث اللغة ، فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه ، والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء كما هو المفهوم من لغة العرب ، ومن العرف المطرد ، وفي صحيح مسلم (٤) عن بريدة بن الخصيب الأسلمي رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من لعب بالنردشير ، فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه» فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس ، فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به ، وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره؟ وفي الصحيحين (٥) أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام» فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال «لا ، هو حرام». وفي صحيح البخاري من حديث أبي سفيان أنه قال لهرقل ملك الروم : نهانا عن الميتة والدم.
وقوله (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) أي ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم ، فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنها حرام بالإجماع. وإنما اختلف العلماء في متروك التسمية إما عمدا أو نسيانا كما سيأتي تقريره في سورة الأنعام.
__________________
(١) رواها ابن هشام في السيرة ١ / ٣٨٦ ـ ٣٨٨ في ثلاثة وعشرين بيتا. وفيها : «فإياك ... لتفصدا».
(٢) في السيرة : «لا تنسكنّه».
(٣) الأصل : فاعبدن ، بنون خفيفة. وقد استعاض عنها بألف. وقيل إنه لم يرد النون الخفيفة وإنما خاطب الواحد بخطاب الاثنين.
(٤) صحيح مسلم (شعر حديث ١٠)
(٥) صحيح البخاري (بيوع باب ١٠٥) وصحيح مسلم (بيوع حديث ٩٣)