إلى هدى الله عزوجل ، كمثل رجل ضل عن طريق تائها ، إذ ناداه مناد : يا فلان بن فلان هلم إلى الطريق ، وله أصحاب يدعونه يا فلان هلم إلى الطريق ، فإن اتبع الداعي الأول انطلق به حتى يلقيه إلى الهلكة ، وإن أجاب من يدعوه إلى الهدى ، اهتدى إلى الطريق ، وهذه الداعية التي تدعو في البرية من الغيلان ، يقول : مثل من يعبد هذه الآلهة من دون الله ، فإنه يرى أنه في شيء ، حتى يأتيه الموت فيستقبل الندامة والهلكة ، وقوله (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ) هم الغيلان (يَدْعُونَهُ) باسمه واسم أبيه وجده ، فيتبعها وهو يرى أنه في شيء فيصبح وقد رمته في هلكة ، وربما أكلته ، أو تلقيه في مضلة من الأرض يهلك فيها عطشا ، فهذا مثل من أجاب الآلهة التي تعبد من دون الله عزوجل ، رواه ابن جرير (١).
وقال ابن أبي نجيح : عن مجاهد ، (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ) قال: رجل حيران يدعوه أصحابه إلى الطريق ، وذلك مثل من يضل بعد أن هدي (٢).
وقال العوفي عن ابن عباس قوله (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ لَهُ أَصْحابٌ) هو الذي لا يستجيب لهدى الله ، وهو رجل أطاع الشيطان ، وعمل في الأرض بالمعصية ، وحاد عن الحق ، وضل عنه ، وله أصحاب يدعونه إلى الهدى ، ويزعمون أن الذي يأمرونه به هدى ، يقول الله ذلك لأوليائهم من الإنس ، (إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) والضلال ما يدعو إليه الجن ، رواه ابن جرير (٣) ، ثم قال : وهذا يقتضي أن أصحابه يدعونه إلى الضلال ويزعمون أنه هدى ، قال وهذا خلاف ظاهر الآية ، فإن الله أخبر أنهم يدعونه إلى الهدى ، فغير جائز أن يكون ضلالا ، وقد أخبر الله أنه هدى.
وهو كما قال ابن جرير ؛ فإن السياق يقتضي أن هذا الذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ، وهو منصوب على الحال ، أي في حال حيرته وضلاله وجهله ، وجه المحجة ، وله أصحاب على المحجة سائرون ، فجعلوا يدعونه إليهم وإلى الذهاب معهم على الطريقة المثلى ، وتقدير الكلام فيأبى عليهم ، ولا يلتفت إليهم ، ولو شاء الله لهداه ولرد به إلى الطريق ، ولهذا قال (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) كما قال (وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍ) [الزمر : ٣٧] وقال (إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [النحل : ٣٧].
وقوله (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي نخلص له العبادة ، وحده لا شريك له ، (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) أي وأمرنا بإقامة الصلاة وبتقواه في جميع الأحوال ، (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي يوم القيامة (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أي بالعدل فهو
__________________
(١) تفسير الطبري ٥ / ٢٣٢ ـ ٢٣٣.
(٢) تفسير الطبري ٥ / ٢٣٣.
(٣) المصدر السابق.