مصلية (١) ، وقد سموا ذراعها وكان يعجبه الذراع ، فتناوله فنهش منه نهشة فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه ، وأثر ذلك في ثنايا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفي أبهره ، وأكل معه منها بشر بن البراء بن معرور فمات فقتل اليهودية التي سمتها ، وكان اسمها زينب ، فقتلت ببشر بن البراء (٢).
ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه ، ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا. وفي الحديث الآخر : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أضافه يهودي ، على خبز شعير وإهالة سنخة ، يعني ودكا (٣) زنخا.
وقال ابن أبي حاتم : قرئ على العباس بن الوليد بن مزيد ، أخبرنا محمد بن شعيب ، أخبرني النعمان بن المنذر ، عن مكحول قال : أنزل الله (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [الأنعام : ١٢١] ثم نسخه الرب عزوجل ، ورحم المسلمين فقال (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) فنسخها بذلك ، وأحل طعام أهل الكتاب ، وفي هذا الذي قاله مكحول رحمهالله نظر ، فإنه لا يلزم من إباحته طعام أهل الكتاب ، إباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لأنهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم ، وهم متعبدون بذلك ، ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ، ومن شابههم ، لأنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم ، بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة ، بل يأكلون الميتة بخلاف أهل الكتابين ومن شاكلهم من السامرة والصابئة ومن يتمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء ، على أحد قولي العلماء ونصارى العرب ، كبني تغلب وتنوخ وبهرا وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم ، لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور.
وقال أبو جعفر بن جرير (٤) : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، عن أيوب ، عن محمد بن عبيدة ، قال : قال علي : لا تأكلوا ذبائح بني تغلب ، لأنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر.
وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف. وقال سعيد بن أبي عروبة : عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب والحسن ، أنهما كانا لا يريان بأسا ، بذبيحة نصارى بني تغلب. وأما المجوس ، فإنهم وإن أخذت منهم الجزية تبعا وإلحاقا لأهل الكتاب ، فإنهم لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نساؤهم ، خلافا لأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي ، أحد الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل. ولما قال ذلك واشتهر عنه ، أنكر عليه الفقهاء ذلك ، حتى قال عنه الإمام أحمد : أبو ثور كاسمه ، يعني في هذه المسألة ، وكأنه تمسك بعموم حديث روي مرسلا
__________________
(١) أي مشوبة.
(٢) سنن أبي داود (ديات باب ٦) وسنن الدارمي (مقدمة باب ١١) وصحيح مسلم (سلام حديث ٤٥)
(٣) الودك : دسم الدهن. والإهالة : كل شيء يؤتدم به. والسنخة : المتغيّرة الريح.
(٤) تفسير الطبري ٤ / ٤٤١.