وقد صح عنه صلىاللهعليهوسلم الأمر بعموم غسل القدمين في الوضوء بالماء بالنقل المستفيض القاطع عذر من انتهى إليه وبلغه ، ولما كان القرآن آمرا بغسل الرجلين كما في قراءة النصب ، وكما هو الواجب في حمل قراءة الخفض عليه ، توهم بعض السلف أن هذه الآية ناسخة لرخصة المسح على الخفين ، وقد روي ذلك عن علي بن أبي طالب ، ولكن لم يصح إسناده ، ثم الثابت عنه خلافه ، وليس كما زعموه ، فإنه قد ثبت أن النبي صلىاللهعليهوسلم مسح على الخفين بعد نزول هذه الآية الكريمة.
وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا هاشم بن القاسم ، حدثنا زياد بن عبد الله بن علاثة عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، عن مجاهد ، عن جرير بن عبد الله البجلي قال : أنا أسلمت بعد نزول المائدة ، وأنا رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يمسح بعد ما أسلمت ، تفرد به أحمد. وفي الصحيحين من حديث الأعمش عن إبراهيم ، عن همام قال : بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه ، فقيل : تفعل هذا؟ فقال : نعم ، رأيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه ، قال الأعمش : قال إبراهيم : فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ، لفظ مسلم (٢). وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مشروعية المسح على الخفين قولا منه وفعلا ، كما هو مقرر في كتاب الأحكام الكبير مع ما يحتاج إلى ذكره هناك من تأقيت المسح أو عدمه ، أو التفصيل فيه ، كما هو مبسوط في موضعه.
وقد خالفت الروافض في ذلك بلا مستند بل بجهل وضلال ، مع أنه ثابت في صحيح مسلم من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، كما ثبت في الصحيحين عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم النهي عن نكاح المتعة وهم يستبيحونها ، وكذلك هذه الآية الكريمة دالة على وجوب غسل الرجلين مع ما ثبت بالتواتر من فعل رسول الله صلىاللهعليهوسلم على وفق ما دلت هذه الآية الكريمة ، وهم مخالفون لذلك كله وليس لهم دليل صحيح في نفس الأمر ، ولله الحمد ، وهكذا خالفوا الأئمة والسلف في الكعبين اللذين في القدمين فعندهم أنهما في ظهر القدم فعندهم في كل رجل كعب ، وعند الجمهور أن الكعبين هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم. قال الربيع : قال الشافعي : لم أعلم مخالفا في أن الكعبين اللذين ذكرهما الله في كتابه في الوضوء هما الناتئان ، وهما مجمع مفصل الساق والقدم ، هذا لفظه ، فعند الأئمة رحمهمالله : في كل قدم كعبان ، كما هو المعروف عند الناس ، وكما دلت عليه السنة ، ففي الصحيحين من طريق حمران عن عثمان أنه توضأ فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين ، واليسرى مثل ذلك.
وروى البخاري (٣) تعليقا مجزوما به وأبو داود (٤) وابن خزيمة في صحيحه من رواية أبي
__________________
(١) مسند أحمد ١ / ٣٦٣.
(٢) صحيح مسلم (طهارة حديث ٧٢)
(٣) صحيح البخاري (أذان باب ٧١)
(٤) سنن أبي داود (صلاة باب ٩٣)