القاسم الحسيني بن الحارث الجدلي ، عن النعمان بن بشير قال : أقبل علينا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم بوجهه فقال «أقيموا صفوفكم ـ ثلاثا ـ والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم» قال : فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه ، وركبته بركبة صاحبه ، ومنكبه بمنكبه ، لفظ ابن خزيمة ، فليس يمكن أن يلزق كعبه بكعب صاحبه ، إلا والمراد به العظم الناتئ في الساق حتى يحاذي كعب الآخر ، فدل ذلك على ما ذكرناه من أنهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم كما هو مذهب أهل السنة ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا إسماعيل بن موسى ، أخبرنا شريك عن يحيى بن الحارث التيمي يعني الخابر ، قال : نظرت في قتلى أصحاب زيد ، فوجدت الكعب فوق ظهر القدم ، وهذه عقوبة عوقب بها الشيعة بعد قتلهم ، تنكيلا بهم في مخالفتهم الحق وإصرارهم عليه.
وقوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) كل ذلك قد تقدم الكلام عليه في تفسير آية النساء ، فلا حاجة بنا إلى إعادته لئلا يطول الكلام ، وقد ذكرنا سبب نزول آية التيمم هناك ، لكن البخاري روى هاهنا حديثا خاصا بهذه الآية الكريمة فقال : حدثنا يحيى بن سليمان ، حدثنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه ، عن عائشة قالت : سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة ، فأناخ رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونزل ، فثنى رأسه في حجري راقدا ، فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال : حبست الناس في قلادة ، فتمنيت الموت لمكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم مني ، وقد أوجعني ، ثم إن النبي صلىاللهعليهوسلم استيقظ ، وحضرت الصبح ، فالتمس الماء فلم يوجد ، فنزلت (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلى آخر الآية ، فقال أسيد بن الحضير : لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم (١).
وقوله تعالى : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) أي فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر ، بل أباح التيمم عند المرض وعند فقد الماء توسعة عليكم ، ورحمة بكم وجعله في حق من شرع له يقوم مقام الماء إلا من بعض الوجوه كما تقدم بيانه ، وكما هو مقرر في كتاب الأحكام الكبير ، وقوله تعالى : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) أي لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة ، وقد وردت السنة بالحث على الدعاء عقب الوضوء بأن يجعل فاعله من المتطهرين الداخلين في امتثال هذه الآية الكريمة ، كما رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن عن عقبة بن عامر قال : كانت علينا رعاية الإبل ، فجاءت نوبتي فروحتها بعشي ، فأدركت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائما يحدث
__________________
(١) صحيح البخاري (تفسير سورة المائدة باب ٢)