النبي صلىاللهعليهوسلم أعينهم ، وإنما عزم على ذلك حتى نزل القرآن فبين حكم المحاربين ، وهذا القول أيضا فيه نظر ، فإنه قد تقدم في الحديث المتفق عليه أنه سمل ، وفي رواية سمر أعينهم.
وقال ابن جرير (١) : حدثنا علي بن سهل ، حدثنا الوليد بن مسلم قال : ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل النبي صلىاللهعليهوسلم أعينهم ، وتركه حسمهم حتى ماتوا ، فقال : سمعت محمد بن عجلان يقول : أنزلت هذه الآية على رسول الله صلىاللهعليهوسلم معاتبة في ذلك ، وعلمه عقوبة مثلهم من القتل والقطع والنفي ، ولم يسمل بعدهم غيرهم قال : وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو يعني الأوزاعي ، فأنكر أن يكون نزلت معاتبة ، وقال : بل كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم ، ورفع عنهم السمل.
ثم قد احتج بعموم هذه الآية جمهور من العلماء في ذهابهم إلى أن حكم المحاربة في الأمصار وفي السبلان على السواء لقوله (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً) وهذا مذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل ، حتى قال مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتا فيقتله ، ويأخذ ما معه : إن هذه محاربة ، ودمه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول ، ولا اعتبار بعفوه عنه في إسقاط القتل. وقال أبو حنيفة وأصحابه : لا تكون المحاربة إلا في الطرقات ، فأما في الأمصار فلا ، لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث ، بخلاف الطريق لبعده ممن يغيثه ويعينه.
وقوله تعالى (أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية : من شهر السلاح في فئة الإسلام ، وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء صلبه ، وإن شاء قطع يده ورجله وكذا قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وروى ذلك كله أبو جعفر بن جرير (٢) وحكى مثله عن مالك بن أنس رحمهالله ومستند هذا القول أن ظاهر أو للتخيير كما في نظائر ذلك من القرآن كقوله في جزاء الصيد (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً) [المائدة : ٩٥] وكقوله في كفارة الفدية (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : ١٩٦] وكقوله في كفارة اليمين (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) [المائدة : ٨٩] هذه كلها على التخيير فكذلك فلتكن هذه الآية.
وقال الجمهور : هذه الآية منزلة على أحوال ، كما قال أبو عبد الله الشافعي : أنبأنا
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٥٥٠.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٥٥٢ ـ ٥٥٣.