إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة ، عن ابن عباس في قطاع الطريق ، إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا ، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا ، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض ، وقد رواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان ، عن حجاج ، عن عطية عن ابن عباس بنحوه ، وعن أبي مخلد وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدي وعطاء الخراساني نحو ذلك ، وهكذا قال غير واحد من السلف والأئمة ، واختلفوا : هل يصلب حيا ويترك حتى يموت بمنعه من الطعام والشراب ، أو بقتله برمح أو نحوه ، أو يقتل أولا ثم يصلب تنكيلا وتشديدا لغيره من المفسدين ، وهل يصلب ثلاثة أيام ثم ينزل أو يترك حتى يسيل صديده؟ في ذلك كله خلاف محرر في موضعه ، وبالله الثقة وعليه التكلان.
ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير (١) في تفسيره إن صح سنده فقال : حدثنا علي بن سهل ، حدثنا الوليد بن مسلم عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان ، كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية ، فكتب إليه يخبره أنها نزلت في أولئك النفر العرنيين وهم من بجيلة ، قال أنس : فارتدوا عن الإسلام ، وقتلوا الراعي ، واستاقوا الإبل ، وأخافوا السبيل ، وأصابوا الفرج الحرام ، قال أنس : فسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم جبرائيل عليهالسلام عن القضاء فيمن حارب فقال : من سرق مالا وأخاف السبيل ، فاقطع يده بسرقته ورجله بإخافته ، ومن قتل فاقتله ، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه.
وأما قوله تعالى : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) قال بعضهم : هو أن يطلب حتى يقدر عليه فيقام عليه الحد أو يهرب من دار الإسلام ، رواه ابن جرير عن ابن عباس ، وأنس بن مالك وسعيد بن جبير والضحاك والربيع بن أنس والزهري والليث بن سعد ومالك بن أنس وقال آخرون : هو أن ينفى من بلده إلى بلد آخر أو يخرجه السلطان أو نائبه من معاملته بالكلية وقال الشعبي : ينفيه ـ كما قال ابن هبيرة ـ من عمله كله. وقال عطاء الخراساني ينفى من جند إلى جند سنين ، ولا يخرج من دار الإسلام ، وكذا قال سعيد بن جبير وأبو الشعثاء والحسن والزهري والضحاك ومقاتل بن حيان إنه ينفى ولا يخرج من أرض الإسلام ، وقال آخرون : المراد بالنفي هاهنا السجن ، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ، واختار ابن جرير أن المراد بالنفي هاهنا أن يخرج من بلده إلى بلد آخر فيسجن فيه (٢).
وقوله تعالى : (ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) أي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم ، خزي لهم بين الناس
__________________
(١) تفسير الطبري ٤ / ٥٤٩.
(٢) تفسير الطبري ٤ / ٥٥٧ ـ ٥٥٨.