تتعشقها القلوب الكبيرة ، وتجد في طلبها ووصالها ، وتسهر الليالي في تحصيلها.
وفي هذه الأبيات يخبر أن حكم تلك المحبة بالجد في طلب المحبوب والظفر بوصله حكم وطيد الأركان ، ثابت الدعائم لا يستطيع الصدود والاعراض فسخه وأبطاله ، كيف وقاضي الحسن والجمال هو المنفذ لذلك الحكم ، مما حمل كلا من الخصمين على الاقرار به. وجاء شهود الوصل يشهدون بحقية ذلك الحكم وثبوته حتى تأكد غاية التأكيد ، وبذلك أصبح حكم الوشاة والعاذلين حكما لاغيا تهاوت منه الأركان فخر صريعا على الأذقان.
ولما أخبر أن حكم المحبة قد توفرت له كل وسائل القوة والتنفيذ وأنه لا سبيل للوشاة الى نقضه وابطاله ، بين حكمهم المنافي لحكم المحبة وهو الداعي إلى الصدود والهجران ، فقال ان الوشاة أدركوا بطلان ذلك الحكم الذي حكموا به بطلانا يقينا ، لأنه حكم لم يصادف محله ، ولا استوفى شروطه ، ومن أجل ذلك حرر قاضي الحسن محضرا بفساد حكم الهجر والسلوان وأنكر على الوشاة زعمهم أن المحبة والصدود لدان ، ثم أقسم أن هذا حكم في غاية الجور وليس بحكم مقسط ، فإنه يسوي بين أمرين متضادين ، ومعلوم ببديهة العقل أن الضدين لا يجتمعان في محل واحد بحيث يتصف بهما في وقت معا :
* * *
يا والها هانت عليه نفسه |
|
إذ باعها غبنا بكل هوان |
أتبيع من يهواه نفسك طائعا |
|
بالصد والتعذيب والهجران |
أجهلت أوصاف المبيع وقدره |
|
أم كنت ذا جهل بذي الأثمان |
واها لقلب لا يفارق طيره الأغ |
|
صان قائمة على الكثبان |
ويظل يسجع فوقها ولغيره |
|
منها الثمار وكل قطف دان |
ويبيت يبكي والمواصل ضاحك |
|
ويظل يشكو وهو ذو شكران |
هذا ولو أن الجمال معلق |
|
بالنجم همّ إليه بالطيران |
المفردات : الواله : المتحير من شدة الوجد. الغبن في البيع : النقص من الثمن