السلام : (لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) [الإسراء : ١٠٢].
وليس هناك اعظم فسادا من قول يجعل هؤلاء الذين هم أئمة الكفر والضلال أخيارا مؤمنين ، ان مجرد المعرفة بالحق لا تكفي لتحقيق الايمان ما لم تكن مصحوبة بالاقرار والاذعان ، ولهذا قال الله تعالى خبرا عن فرعون وقومه : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل : ١٤] فجمع لهم بين الجحد والاستيقان .. وكان أهل الكتاب الذين في زمان نبينا صلىاللهعليهوسلم يعرفونه كما يعرفون ابناءهم. بل كان ابليس نفسه وهو رأس الشر في العالم عارفا بربه حيث قال : (رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر : ٣٩].
* * *
وقضى بأن الله كان معطلا |
|
والفعل ممتنع بلا امكان |
ثم استحال وصار مقدورا له |
|
من غير أمر قام بالديان |
بل حاله سبحانه في ذاته |
|
قبل الحدوث وبعدها سيان |
الشرح : كان الجهم يقول بحدوث العالم بمعنى أنه صار موجودا بعد أن كان معدوما لا فرق في ذلك عنده بين أنواع الحوادث وأشخاصها. وتبعه على ذلك معظم فرق المتكلمين كالمعتزلة والأشعرية والكرامية.
ويلزم على هذا القول من الفساد أن الله عزوجل لم يزل معطلا عن الفعل أو غير قادر عليه ، ثم صار فاعلا وقادرا من غير تجدد سبب أصلا أوجب له القدرة والفعل. أو أن الفعل منه كان ممتنعا في الأزل ثم صار ممكنا مقدورا من غير سبب اقتضى امكانه ـ وهذا يستلزم الانقلاب من الامتناع الذاتي إلى الامكان الذاتي ويلزم هؤلاء أيضا أن الحادث اذا حدث بعد أن لم يكن فلا بد أن يكون ممكنا ، والامكان ليس له وقت محدود فما من وقت يقدر حدوثه فيه إلا والامكان ثابت قبله. ليس لامكان الفعل وصحته مبدأ ينتهي إليه ، فيجب أنه لم