يزل الفعل ممكنا جائزا فيلزم جواز حوادث لا نهاية لها.
فقول المؤلف رحمهالله : وقضى بأن الفعل كان معطلا الخ ، إنما هو بيان لما يلزم مذهب جهم وشيعته في قولهم بحدوث العالم وأنه له بداية في الزمان.
ويقابل قول هؤلاء قول الفلاسفة بقدم العالم ، وأنه صدر من الله عزوجل صدور المعلول عن علته بلا قصد ولا اختيار ، ولا شك أن هذا القول أفسد من سابقه وفساده من الظهور بحيث لا يحتاج إلى اطالة الكلام معه.
بقي القول الثالث وهو ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها من أن الله عزوجل لم يزل حيا قادرا فعالا لما يريد متكلما إذا شاء بما شاء ، وأن الفعل والكلام من صفات كماله التي لا يجوز تعطيله عنها في وقت من الأوقات ، وأن الفعل والكلام لم يزل ممكنا مقدورا لا يجوز القول بامتناع ذلك منه في وقت من الأوقات كذلك.
* * *
وقضى بأن النار لم تخلق ولا |
|
جنات عدن بل هما عدمان |
فإذا هما خلقا ليوم معادنا |
|
فهما على الأوقات فانيتان |
وتلطف العلاف من أتباعه |
|
فأتى بضحكة جاهل مجان |
قال الفناء يكون في الحركات لا |
|
في الذات وا عجبا لذا الهذيان |
الشرح : يرى الجهم أن الجنة والنار غير موجودتين الآن ، وعلى ذلك سائر المعتزلة. وكان منشأ غلطهم في ذلك وغيره من أمور الاعتقاد هو تحكيمهم ما يسمونه بالعقل مع وجود النص ، فلما رأوا بعقولهم الفاسدة أن لا فائدة من وجود الجنة والنار الآن من حيث أنهما داران للجزاء على الأعمال. والجزاء لا يكون إلا في الدار الآخرة حكموا بعدمهما مع وجود النصوص الصريحة من الكتاب والسنة على وجودهما ، مثل قوله تعالى لآدم عليهالسلام : (اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة : ٣٥].