الكتاب والسنة ، فيتعوض عنه بجهله وظلمه ، ويريده بالكذب والافتراء عوجا ليسلم له زيفه ويروج باطله ، والناس كلهم إلا من عصم الله ليسوا أهل بصر بالنقود ، فلا يقدرون على تمييز الجيد من الرديء ، ولا لهم خبرة بوزن الأقوال وتمحيص الآراء ، اللهم إلا أفراد قلائل يوجدون في الأزمان المتطاولة. ولذلك تجد الزيف هو النقد المتداول بينهم والرائج في الأسفار والبلدان ، لأنهم قد تعارفوا عليه وارتضوه جهرة بلا كتمان.
* * *
فإذا أتاهم غيره ولو أنه |
|
ذهب مصفى خالص العقيان |
ردوه واعتذروا بأن نقودهم |
|
من غيره بمراسم السلطان |
فإذا تعاملنا بنقد غيره |
|
قطعت جوامكنا من الديوان |
والله منهم قد سمعنا ذا ولم |
|
نكذب عليهم ويح ذي البهتان |
يا من يريد تجارة تنجيه من |
|
غضب الإله وموقد النيران (١) |
وتفيده الأرباح بالجنات |
|
والحور الحسان ورؤية الرحمن |
في جنة طابت ودام نعيمها |
|
ما للفناء عليه من سلطان |
هيئ لها ثمنا يباع بمثلها |
|
لا تشترى بالزيف من أثمان |
نقدا عليه سكة نبوية |
|
ضرب المدينة أشرف البلدان |
الشرح : فإذا جاءهم أحد بنقد آخر غير هذا الذي تعارفوا عليه ردوه على الناقد ، ولو كان من نضار الذهب وخالصه معتذرين بأن نقدهم عليه سكة السلطان فإذا هم تعاملوا بنقد غيره قطعت رواتبهم من ديوان الحكومة ، وكأن المؤلف رحمهالله يشير بهذا إلى حال كثير من العلماء الرسميين الذين توظفهم الحكومة في بعض الوظائف ، مثل القضاء والافتاء والحسبة وغيرها ، فيتوخون في أعمالهم موافقة الحكام في مذاهبهم ولا يجرءون على مخالفتها خوفا من العزل وهذا المعنى كان موجودا منذ قريب عندنا في مصر في عهد الحكم التركي ، حين كان
__________________
(١) وموقد بفتح القاف مضاف إلى النيران إضافة صفة إلى موصوف ، والتقدير والنيران الموقدة.