فإذا كان الله عزوجل قد تجلى بذاته لذاته في جميع هذه الصور والمتعينات فالهدى والإيمان في زعم هؤلاء المارقين أن تعبد وتعظم جميعا.
قالوا : وإنما ضل من ضل وكفر من كفر بتخصيص بعض هذه المظاهر بالعبادة دون بعض ، فالكفر عندهم ليس هو عبادة غير الله ، اذ ليس هناك غير ، ولكنه ستر حقيقة المعبود بتخصيص بعض مجاليه بالعبادة دون البعض الآخر. وحكموا بإيمان فرعون وقالوا أنه كان يشاهد عين الحقيقة حين قال : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) [النازعات : ٢٤] ولم يكن كاذبا في دعواه أنه هو الله ، بل كان في أعلى مقامات التوحيد ، ولذا كان أغراقه في البحر تطهيرا له من توهم الغيرية وحسبان الاثنينية.
* * *
قالوا ولم يك منكرا موسى لما |
|
عبدوه من عجل لذي الخوران |
الا على من كان ليس بعابد |
|
معهم وأصبح ضيق الأعطان |
ولذاك جر بلحية الأخ حيث لم |
|
يك واسعا في قومه لبطان |
بل فرق الانكار منه بينهم |
|
لما سرى في وهمه غيران |
الشرح : كما افترى هؤلاء المارقين الكذب في شأن فرعون وخالفوا فيه صريح القرآن الذي نطق بموته على الكفر ، وأنه لم ينفعه إيمانه حين أدركه الغرق وأن الله إنما نجاه ببدنه ليكون عبرة مائلة للأجيال من بعده ، وأن الله أخذه نكال الآخرة والأولى ، كذلك كذبوا في شأن موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام ، فزعموا أن موسى عليهالسلام لم يلم قومه على عبادة العجل ولم ينكرها عليهم ، وأنما كان انكاره على من تحرج عن عبادته وضاق بها صدره ، ولذلك أخذ بلحية أخيه يجره إليه حيث لم يتسع صدره لما فعله قومه ، وأخذ ينكر عليهم ويحذرهم مغبة ذلك وسوء عاقبته ، ويقول لهم : يا قوم انما فتنتم به وأن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري.